متى كان الفن تهمةً وجب الادعاء على مرتكبيها ومحاكمتهم لينظر فيما يقولوه في موقف الدفاع، وليس الفن من هذا في شيء، ولا يستوي اجتماع كلمة فن وكلمة تهمة في جملة واحدة، ولكن السؤال: متى يسمى الإنتاج فنًّا فيدفع عنه جوهر التسمية أيَّ شبهةٍ أو اتهام؟
الابتكار أول الفن وآخره
إن الموهبة أول أركان الفن، وما الموهبة ما لم تأت بالجديد المبتكر دون تقليد ولا استنساخ؟ وبالنظر إلى أكثر الفنون تأثيرا في العصر الحديث لا نجد منازعا للسينما وما تقدمه من أفلام يجدر بها أن تكون انعكاسا لثقافة أهلها ودافعا للارتقاء بهم، لكن أكثر ما يقدم اليوم باسم الفن في الوسط العربي ليس إلا استنساخًا لتجارب غربية لاقت صدى مهما في بيئتها وفي جوها، وحظيت بإعجاب العرب لها لأنها تمثل أهلها وتجاربهم وتعرض لأفكار وجودية في ضوء معطيات المجتمع الذي صنعت فيه، ولا ضير في محاكاة فكرة جميلة وطرحها بأسلوب مبتكر ينفخ فيها روح التجديد والاختلاف عما كانت عليه، لكن الأمر في صناعة السينما العربية لا يجري بهذه الطريقة؛ فقد يرى المشاهد نسخ كثيرة لعمل واحد، وقد يرى أعمالا كاملة نقلت عن أخرى غربية بتمامها باستثناء فرق اللهجة ومجهود الكاتب الخجول في ترجمة الحوار الأجنبي إلى اللغة العربية.
ما بين الاختلاف والتقبّل
يمكن أن يغض المشاهد الطرف عن كل ذلك، ويمكن له أن يرتضي بأقل مجهود مبذول له فيما لو كانت القصة تشبع تعطشه للجديد غير المألوف، الأمر الذي حاول صناع فيلم (أصحاب ولا أعز) الرهان عليه، من خلال توفير عناصر التسويق المناسبة ورشها كالتوابل على طبق الباستا المطهو مرات عديدة في المطابخ الغربية، ولاشك أن المشاهد العربي يحب الوجبات الغربية ولن يمانع في تذوق طبق جديد وإن كان فاسدا! ولكن هل يستسيغ الذوق العربي طعم الحشرات والكائنات الحية كما يستسيغها الغرب؟ وهل يعني اشمئزاز العرب من تلك الوجبات أنهم متعنتون لذوقهم الخاص؟
قد تبدو الإجابة واضحة، ولكن حين يتعلق الأمر بالأخلاق العربية والثقافة العربية يصبح الأمر صعب الفهم على الكثيرين، ويصبح كل رافض للترويج لثقافة الغرب متهما بالتخلف والرجعية، وكل من يدعو للتمسك بالقيم يوسم بالادعاء والنفاق، الأمر الذي حدث بعد عرض فيلم (أصحاب ولا أعز) الذي سوق باسم أهم النجوم في مصر ولبنان كي يسترعي انتباه المشاهد بنجومه وبقصته اللامنطقية في بيئتها وشخوصها. ولكن هل يغفل صناع العمل عن الرأي العربي والثقافة العربية والهجوم البديهي على القصة؟
ذلك سؤال يحمل جوابه، ولا أحسب تلك الأعمال تهدف إلى طمس الهوية العربية المشوهة مسبقا والآخذة في الضياع دون أي مجهود إضافي، ولا أظن صناعها سذج إلى الحد الذي يوهمهم أن قصة هشة كتلك يمكن لها أن تحدث فرقا غير البلبلة والنقد وتضارب الآراء الذي لن يفضي سوى إلى زيادة نسب مشاهدة الفيلم ووصوله إلى البيت الذي لم يسمع باسمه بعد.