أطفالنا والعطلة الشتوية سفر بالمعرفة وبناء للذات
تأتي العطلة الشتوية كلؤلؤة ثمينة تتلألأ في منتصف العام الدراسي، تمنح أبناءنا فسحة لالتقاط الأنفاس بعد شهور من الجهد، وتفتح أمامهم أبوابًا واسعة للتجدد واستعادة النشاط. فهي ليست مجرد توقف عن الدروس، بل مساحة رحبة نزيل فيها الإرهاق عن نفوس الصغار، ونستثمرها كجسرٍ بين مرحلتين؛ بما يحمله من فرص ذهبية للنمو، والتأمل، وصقل المهارات.
وقد بدأت الإجازة الشتوية في مدارس الإمارات، وها هم طلبتنا يدخلون رحلة جديدة، لا تقل أهمية عن رحلة التعلم داخل الصفوف. إنّها رحلة لبناء الذات، واكتشاف العالم بعيون أكثر نضجًا وفضولًا، والانطلاق نحو تجارب تغني شخصياتهم وتفتح مداركهم.
ومن أجمل ما يحمله هذا الموسم هو انضمام الطلبة إلى النوادي الشتوية التي تُعدّ منصات حقيقية للإبداع والتعلّم الحرّ. ففي نادي القراءة يعيش الطفل مغامرة لا حدود لها، يسافر عبر صفحات الكتب إلى ثقافات بعيدة، ويطّلع على حضارات متنوعة، فيكبر وعيه وتتسع رؤيته للعالم. أمّا في نادي الكتابة، فيتعلم كيف يمنح أفكاره صوتًا وأجنحة، وكيف يعبر عن ذاته بلغة رشيقة وتصوّر واعٍ. وفي التمثيل وفن المسرح، يكتشف الطالب قوة التعبير الجسدي والصوتي، ويتعلّم الجرأة والقيادة وروح الفريق.
ولا تقف التجارب عند حدود الفنون، فهناك أنشطة الأعمال اليدوية كالصلصال والفخار التي تمنح الأطفال متعة اللمس والإبداع، وتغذّي فيهم الدقة والصبر وحب التجريب.
كما تشكّل الأعمال التطوعية نافذة للطفل ليرى أثر الخير على الآخرين، ويشعر بقيمة العطاء ومكانته في خدمة المجتمع. أما الزيارات الميدانية لمراكز الشرطة والدفاع المدني، فتعزز وعيه بالقوانين والأمان، وتغرِس في داخله احترام جهود جنود الوطن.
وفي قلب هذه الأنشطة تتكوّن أجمل الروابط: علاقات وصداقة تُشجّع الطفل على العمل الجماعي، وتعلّمه كيف يكون جزءًا من فريق، وكيف يتعاون ويتحاور ويصنع نجاحًا مشتركًا.
ومع كل هذه الأبواب المفتوحة، تبقى القراءة اليومية كنز العطلة الأكبر. فالطفل الذي يمسك كتابًا كل يوم، إنما يفتح نافذة على العالم، يكتسب لغةً أقوى، وخيالًا أوسع، وشخصيةً أغنى. القراءة سفرٌ بلا جواز، وتجوالٌ بلا حدود، تنقله بين حضارات، وتضع أمامه قصص أمم وتجارب بشرية لا تُنسى.
إنّ العطلة الشتوية ليست وقتًا نمضي فيه الأيام فحسب، بل موسمًا نبني فيه جيلًا متجددًا، قارئًا، واعيًا، قادرًا على الإبداع والعمل، ومقبلًا على العالم بروح عالية.
وهكذا تغدو العطلة الشتوية مساحة تربوية دافئة، نعيد فيها شحن الطاقات، ونغرس القيم، ونبني شخصيات متوازنة، ليعود أبناؤنا إلى مقاعد الدراسة أكثر نضجًا، وثقة، وشغفًا بالتعلم والحياة.
فلتكن عطلتنا هذا العام رحلة دفءٍ معرفي، نغرس فيها حب القراءة، وروح المغامرة، وشغف الاكتشاف. وليكن شعارنا مع أطفالنا:
كل يوم كتاب… وكل كتاب سفرٌ جديد

