أنا المؤسِّس والرئيس التنفيذي في آنٍ واحد والأمر أصعب بكثير

حين تلتقي الرؤية بالانضباط: دروس من رحلة بناء “حاوي”

هناك توتر خفي لا يختفي أبداً عندما تكون أنت المؤسس والرئيس التنفيذي في الوقت نفسه. جزء منك يحلم ويبتكر، والجزء الآخر يُدير ويُحاسب. جزء يعشق الفوضى، وآخر يبحث عن النظام. لقد عشتُ هذا الصراع لأكثر من عقد وأنا أقود مجموعة حاوي الإعلامية، ويمكنني القول بثقة: ليست رحلة سهلة أبداً.

حين بدأتُ حاوي، لم تكن فكرة وُلدت من خطة عمل جاهزة، بل من قناعة عميقة — أن الإعلام الرقمي العربي يمكن أن يكون أذكى، وأكثر متعة، وأقرب إلى الناس. أردتُ أن أبني منصة لا تكتفي بنشر المحتوى، بل تربط بين الثقافات واللغات والجمهور العربي بطريقة حديثة ومُلهمة.

في ذلك الوقت، قال الكثيرون إن المحتوى العربي لا يمكن أن يُربح، وإن أسعار الإعلانات منخفضة، وإن السوق صعب.
المؤسس داخلي تجاهل كل ذلك.
لكن الرئيس التنفيذي اضطر لاحقاً إلى مواجهته.

المؤسس: الحالم والمؤمن

المؤسسون يعيشون في المستقبل. يرون ما هو ممكن قبل أن تثبته الأرقام.

في البدايات، كان الإيمان وحده هو رأس مالنا الحقيقي. لم يكن لدينا تمويل ضخم ولا مستثمرون. كان لدينا الحماس والسرعة والرغبة في صنع شيء جديد.
أنشأنا ليالينا ويمي والقيادي وعرب تيربو ليس لأن دراسات السوق طلبت ذلك، بل لأننا رأينا فجوات واضحة في الإنترنت العربي.

لم يكن أحد يتحدث عن الجمال والموضة بلغة حديثة ومنفتحة، ولا عن الصحة والرفاه بأسلوب واقعي وقريب، ولا عن السيارات والمراجعات بطريقة عربية أصيلة ومصوّرة باحتراف. فقررنا أن نملأ تلك الفجوات.

أتذكر ليالي طويلة كنت أبقى فيها مع الفريق حتى الثالثة فجراً نكتب ونحرّر ونصلح الأخطاء التقنية ونطلق المواقع واحداً تلو الآخر بإمكانيات محدودة. لكن الشعور بالإنجاز في تلك الفوضى كان لا يُقدّر بثمن. وعندما وصلنا إلى مليون مشاهدة للمرة الأولى، احتفلنا وكأننا فزنا بجائزة عالمية.

المؤسس بداخلي لا يزال مدفوعاً بالفضول.
من هذا الفضول وُلدت منصة SocialEye — من سؤال بسيط: لماذا لا نربط بين العلامات التجارية وصناع المحتوى في المنطقة باستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات بدل التقدير الشخصي؟

لاحظنا فجوة واضحة: التسويق عبر المؤثرين كان في ازدهار، لكن أغلب التعاونات كانت تُبنى على الانطباع، لا على الأرقام.
المؤسس فيّ رأى الفرصة.
الرئيس التنفيذي فيّ حوّلها إلى منتج متكامل بمنهج واضح وشراكات مدروسة ومؤشرات أداء قابلة للقياس.

تلك الموازنة بين الرؤية والانضباط أصبحت جوهر تطوّر حاوي.

الرئيس التنفيذي: المنفّذ والبنّاء

الرئيس التنفيذي لا يحلم، بل يُنجز.

عندما بدأت حاوي تتوسع، كان المؤسس فيّ يريد إطلاق مزيد من المشاريع في دول جديدة وبأفكار مختلفة.
أما الرئيس التنفيذي فقال: “توقّف قليلاً. دعنا نُحكم البناء قبل التوسّع.”

من هنا وُلد نظام Casper CMS، المنصّة التقنية الخاصة بنا التي تُشغّل اليوم ملايين الصفحات شهرياً عبر مواقعنا. لم يكن المشروع الأكثر لمعاناً إعلامياً، لكنه غيّر طريقة عملنا تماماً — أتمتة، كفاءة، وتملّك كامل لبياناتنا ومحتوانا.

ثم جاءت جائحة كورونا، ومعها اختبار حقيقي.
المؤسس بداخلي أراد التحرك بسرعة، إطلاق مبادرات جديدة، واستكشاف مجالات مختلفة.
أما الرئيس التنفيذي، فاختار الطريق الأصعب: حماية ما بنيناه.
قمنا بإعادة هيكلة فرق العمل، خفّضنا التكاليف، وبنينا لوحات بيانات لحظية تساعدنا على اتخاذ قرارات دقيقة. خرجنا من الأزمة أقوى وأكثر مرونة.

الرئيس التنفيذي فيك يتعلّم الصبر والانضباط، ويتحمّل القرارات الصعبة — تلك التي لا تُروى عادة في قصص النجاح، لكنها هي التي تصنع الاستمرارية.

الصراع اليومي

كل يوم أعيش بين عقلين.

المؤسس يستيقظ وهو يفكر بالأفكار الجديدة:
كيف يمكننا توظيف الذكاء الاصطناعي في إنتاج الفيديو؟ هل علينا بناء منصة جديدة لجيل زد؟ ما مستقبل الإعلام العربي بعد خمس سنوات؟

بينما الرئيس التنفيذي يفكر:
ما العائد المتوقع؟ من المسؤول؟ كيف ينسجم هذا مع خطة الربع القادم؟

خذ مثال منصّة جليس — فضاء مفتوح للكتّاب والمبدعين والمهنيين في العالم العربي لمشاركة تجاربهم وأفكارهم.

المؤسس بداخلي أحبّ الفكرة فوراً:
منح الناس صوتاً، وتمكين العقول، وبناء مجتمع من الكتّاب والمفكرين.
لكن الرئيس التنفيذي كان يعرف أنها تحتاج أكثر من الحماس: تحتاج إلى بنية تنظيمية، مراجعة محتوى، وشراكات أكاديمية.

عملنا على وضع سياسات النشر والمراجعة، وبنينا شراكات مع جامعات ومؤسسات، ومع الوقت تحوّل جليس إلى واحدة من أبرز المنصات العربية للمحتوى التشاركي.

وهكذا يستمر الرقص بين الرؤية والتنفيذ —
المؤسس يريد السرعة والمجازفة،
والرئيس التنفيذي يريد التخطيط والاستدامة.

الجانب الإنساني الذي لا يُرى

الناس يرون في لقب “الرئيس التنفيذي” سلطة وثقة،
لكن في الواقع هو مسؤولية ثقيلة.

هناك أيام مزدحمة بالاجتماعات والمكالمات والعروض التقديمية، ومع ذلك تشعر بالعزلة.
لأن في النهاية، القرار الأخير عليك وحدك.
النجاحات تُنسب للجميع، لكن الإخفاقات تبقى في صدرك أنت.

حين واجهنا مشاكل تقنية في تطوير الذكاء الاصطناعي داخل Casper CMS،
المؤسس بداخلي أراد إعادة البناء من الصفر في ليلة واحدة.
أما الرئيس التنفيذي فقال: “اهدأ. أصلح، اختبر، وقيّم.”

وعندما فكرنا في تحويل إينك أرابيا إلى إصدار مطبوع،
المؤسس رأى في ذلك رمزية جميلة،
لكن الرئيس التنفيذي رأى تكاليف دون عائد رقمي واضح.
قررنا عدم تنفيذ الفكرة — وكان القرار صائباً.

تلك اللحظات الصغيرة، الهادئة، هي التي تُشكّل شخصية القائد أكثر من أي خطاب أو مؤتمر.

التوازن بين الرؤية والبنية

بمرور الوقت أدركت أن الرؤية بلا نظام هي فوضى جميلة،
وأن النظام بلا رؤية هو انضباط ممل.

بدأت حاوي كشركة نشر رقمي.
اليوم أصبحت منظومة إعلامية وتقنية متكاملة — تجمع بين المحتوى، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وتسويق المؤثرين، والإبداع الإعلاني.

ذلك التحول لم يأتِ صدفة، بل من انسجام بين شجاعة المؤسس ودقّة الرئيس التنفيذي.

المؤسس لا يزال يدفع نحو الابتكار —
توسيع SocialEye لربط المبدعين المحليين بعلامات تجارية عالمية،
وتطوير أدوات ذكاء اصطناعي لتحليل الجمهور عبر Casper AI.

أما الرئيس التنفيذي فيُوازن الطموح بالواقعية —
يبني النماذج المالية، يقيس الأداء، ويُبقي الشركة مستقرة ومربحة.

وفي عام 2025، بينما نتهيأ لمرحلة جديدة من النمو —
بإيرادات مستهدفة تبلغ 15 مليون دولار، وتوسّع إقليمي أعمق، وتركيز كامل على الذكاء الاصطناعي والإيرادات المتكررة —
يبقى التوتر بين الدورين قائماً.

لكن الحقيقة أن كلا الطرفين محق.
فالمؤسس يُبقي الشركة حيّة.
والرئيس التنفيذي يُبقيها مستمرة.

ما الذي تعلّمته

تعلمتُ أن القائد لا يتخلى عن أي من الدورين، بل يوازن بينهما بحكمة.

تعلمت أن الثقافة أهم من الهيكل التنظيمي،
وأن القرارات المستندة إلى البيانات أقوى من القرارات المبنية على الحدس.
وأن كل “لا” يقولها الرئيس التنفيذي تفتح الباب أمام “نعم” أكبر من المؤسس لاحقاً.

قبل كل شيء، تعلمت أن الصراع بين الحالم والمنفّذ ليس ضعفاً — بل هو دليل على أنك لا تزال تؤمن بما تبنيه.

وحين يسألني أحدهم: أيّهما أصعب، أن تكون المؤسس أم الرئيس التنفيذي؟
أبتسم وأقول: لا هذا ولا ذاك.
الأصعب أن تكون كليهما، في اليوم نفسه.
لكنه أيضاً أجمل ما في الرحلة.

لأن المؤسس يحلم ببناء شيء يدوم،
والرئيس التنفيذي يتأكد أنه يدوم فعلاً.

no
no

لقد ساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة هذا المقال

اختار المشارك أن يبقى مجهولًا.

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.