أين تنتهي حرية الفرد وتبدأ مسؤولية المجتمع؟

عندما تتحول الكلمة من حق شخصي إلى مسؤولية جماعية

في عالم عربي يعيش تحولات عميقة بين انفتاح إعلامي وقيود اجتماعية، وبين فضاء رقمي لا يعترف بالحدود ومؤسسات ما زالت تتمسك بالرقابة، يظل سؤال “أين تنتهي حرية الفرد وتبدأ مسؤولية المجتمع؟” واحداً من أكثر الأسئلة حساسية وإثارة للجدل.

حرية التعبير ليست مجرد شعار سياسي أو مادة دستورية؛ هي في جوهرها حق إنساني يعكس كرامة الفرد وقدرته على أن يكون فاعلاً في محيطه. لكن هذا الحق، إذا مارسناه بلا ضوابط، قد يتحول إلى سلاح يجرح الآخرين، يثير الفتن، أو يقوّض السلم الاجتماعي.

الحرية كحق أصيل

منذ عقود، يناضل المفكرون والحقوقيون لتكريس حرية التعبير باعتبارها حجر الأساس لأي مجتمع حيّ. فهي التي تسمح للمواطن بانتقاد السلطة، للفنان بكسر القيود الإبداعية، وللصحفي بكشف الحقائق. وفي ظل ثورات واتجاهات شبابية جديدة، أصبحت الكلمة وسيلة مقاومة، وأحياناً وسيلة خلاص.

لكن هل يمكن أن تكون الحرية مطلقة؟ التاريخ يثبت العكس. حتى في أكثر الدول ديمقراطية، توجد حدود لحرية التعبير: لا تحريض على العنف، لا خطاب كراهية، ولا قذف أو تشهير. إذن، المسألة ليست في وجود الحرية، بل في كيف تُمارَس.

مسؤولية المجتمع: التوازن الصعب

المجتمع العربي يتميز بتنوع هائل في الدين والثقافة والقيم. ما يعتبره الفرد “رأياً شخصياً”، قد يراه آخرون تعدياً على المقدسات أو تهديداً للهوية. وهنا يبدأ الخط الفاصل بالتلاشي.

فحين يكتب شاب تغريدة عن الدين، أو تنشر فنانة لوحة تعبر عن الحرية الجسدية، تجد نفسك أمام عاصفة من الغضب الشعبي قد تتحول إلى محاكمات أو حملات مقاطعة. فهل هذا يعني أن المجتمع يحمي نفسه؟ أم أنه يقمع حق الفرد في التعبير؟

المعضلة أن المسؤولية الجماعية قد تتحول أحياناً إلى أداة رقابة جماهيرية، لا تقل قسوة عن رقابة الدولة. وهو ما يجعل الفرد العربي يعيش بين مقصّين: الأول سياسي، والثاني اجتماعي.

التكنولوجيا بين التحرير والتقييد

وسائل التواصل الاجتماعي قدمت للعرب مساحة لم يكونوا يحلمون بها قبل عقدين. اليوم، يستطيع أي شخص أن يصل بكلماته إلى ملايين البشر خلال ثوانٍ. لكن هذا الانفتاح كشف أيضاً هشاشة التوازن.

فبينما يعتبر البعض أن السوشال ميديا منبر حر، يرى آخرون أنها تحولت إلى محاكم علنية، حيث يتم “إعدام” الأفكار وأصحابها بضغط زر.
ومن هنا يظهر سؤال آخر: هل من حق الفرد أن يقول ما يشاء إذا كانت كلماته ستشعل نار الكراهية؟ أم أن المنصات نفسها مطالبة بوضع حدود لا تسمح بخرق السلم المجتمعي؟

بين الحرية والفوضى

الخيط الرفيع بين حرية التعبير والفوضى هو ما يثير القلق. حين يصبح الرأي غطاءً لنشر الشائعات أو التحريض، يفقد المجتمع توازنه. وفي المقابل، حين تُكمَم الأفواه بحجة الحفاظ على الاستقرار، يخسر المجتمع تنوعه وقدرته على النمو.

الحل ليس في تقييد الحرية ولا في إطلاقها بلا حساب، بل في صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن حق الفرد في أن يعبر، وحق المجتمع في أن يحافظ على وحدته.

نحو ثقافة جديدة للحرية

حرية التعبير ليست معركة بين الفرد والمجتمع. بل هي توازن صعب يتطلب:

  • تعليم الأجيال أن الحرية لا تعني الإساءة.

  • تعزيز ثقافة الحوار بدلاً من ثقافة الإلغاء.

  • مسؤولية الإعلام في نقل الحقائق بلا تضخيم أو تحريض.

  • تشريعات واضحة تفصل بين النقد البنّاء وخطاب الكراهية.

بهذا فقط، يمكن أن ننتقل من مرحلة الدفاع الأعمى عن “الحق الشخصي” إلى مرحلة المسؤولية المشتركة التي تضمن للجميع فضاءً آمناً للتعبير.

ختاماً

يبقى السؤال: من يملك الحق في رسم الحدود؟ الدولة؟ المجتمع؟ أم ضمير الفرد؟
الإجابة ليست سهلة، وربما لن تكون موحّدة أبداً. لكن المؤكد أن الكلمة ستظل أقوى من السيف، وأن المجتمعات التي تخنق أصواتها محكوم عليها بالجمود، مثلما أن المجتمعات التي تترك الحرية بلا مسؤولية قد تسقط في الفوضى.

بين الحرية والفوضى، بين الفرد والمجتمع، تبقى معركة الكلمة مفتوحة. معركة لا تبحث عن منتصر، بل عن توازن يضمن لنا أن نعيش أحراراً ومسؤولين في الوقت نفسه.

no
no

لقد ساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة هذا المقال

اختار المشارك أن يبقى مجهولًا.

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.