تجربة العميل تعرَّف بــ : “الانطباعات والمشاعر التي تنتج عن مقارنة يقوم بها العميل بعقله الواعي واللاواعي بين توقعاته وواقع تجربته” من التعريف نستشعر أثر توقعات العملاء على إدراكهم في أي تجربة يعيشونها، ثم إذا ما تأملنا تعريف إدارة تجربة العميل “عملية الإلمام بتوقعات واحتياجات العملاء ومن ثم العمل على تلبيتها أو إعادة ضبطها، لتقديم تجربة متميزة بشكل مستمر في جميع نقاط التفاعل وعبر جميع القنوات.” يصبح هدفنا كممارسين أن نحيط عِلما بجميع توقعات عملائنا كخطوة أولي ومن ثم إما أن نحاول تحقيقها أو أن نحاول إعادة ضبطها (بإدارة التوقعات) وكل ذلك لغاية أكبر ألا وهي تقليص الفجوة بين توقعات العملاء والانطباعات التي يستدركونها من واقع تجربتهم.
سيسأل أحدكم ولماذا العناء؟ فأجيبه بأنه لا يوجد شركة عاقلة ترغب أن تستمر بالحفر في المكان الخاطئ وأن تضيع مواردها على أمور غير مجدية وأن تشاهد حصتها السوقية تتضائل لصالح المنافسين يوما بعد يوم وأن تجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة لإغلاق أبوابها كما حدث مع أكثر من 88% من شركات الـ (Fortune 500) بين عامي 1955 وحتى عام 2017، رغم أنها أعلى 500 شركة من حيث إجمالي الإيرادات في الولايات المتحدة الأمريكية بحسب المصادر التي تفيد أن العديد من هذه الشركات الضخمة لن تستمر لأسباب متعددة ومن أهمها تجربة العميل
مدرسة تلبية التوقعات
نعود بما بدأنا به، المدرسة الأولى، مدرسة تلبية التوقعات: للأسف إن هذا الأمر وإن بدى من الناحية النظرية ورديًا ومشرقًا إلا أنه عمليا غير مستدام، لأن توقعات العملاء في تغير وارتفاع مستمر فعملاء اليوم يقارنون خدماتك ومنتجاتك ليس مع المنافسين وحسب بل مع جميع مقدمي الخدمات والمنتجات الآخرين. ولذلك إن تلبية التوقعات لن تفسد العميل وحسب بل وستتسبب في إفلاس الشركات. لكن لا يمنع من مفاجئة العملاء (بتجاوز توقعاتهم) من وقت لآخر ولاشك أن للمفاجئة دور إيجابي وكبير على طبيعة العلاقة وعمرها مع العميل لكن عنصر المفاجئة قد أتداوله لاحقا في مقال مفصل
مدرسة ضبط التوقعات
أما المدرسة الثانية وهي مدرسة ضبط التوقعات، تجدني أميل إليها لأنها موضوعية وعملية أكثر، وهي تهتم بتحقيق ما يمكن وما يتحتم تحقيقه وإعادة ضبط التوقعات التي لا يمكن ومن غير المجدي تحقيقها. ولكي نضبط توقعات عملائنا علينا أن نعرف كيف تتشكل ولماذا تختلف من عميل لآخر وما الذي يؤثر عليها ويشكلها وهل يمكن التحكم به مثل (الأسعار، الإعلانات، وعد العلامة التجارية) من قبل مزود الخدمة/المنتج أو لا يمكن التحكم به مثل (عروض المنافسين، والنصيحة المتناقلة أو ما يعرف بالانجليزية بالـ
Word of mouth – WOM
لماذا تختلف التوقعات من عميل لآخر؟
تجربة العميل، من حيث الحكم عليها شخصية وغير موضوعية (Subjective) تختلف من عميل إلى آخر، فكل عميل لديه منظور وسياق شخصي وتوقعات مختلفة، ولكي ندير الأمر بالشكل الصحيح علينا بداية أن نستوعب منبع وسبب هذه الاختلافات
- الخلفية الثقافية:عندما نفكر بمواطن سويدي انتقل موخرا لأحد دول العالم الثالث فإن الصدمة التي سيعاني منها في تجاربه ستكون أكبر بكثير من ابن البلد نفسها الذي تعود على مستوى خدماتها.
- المستوى المعرفي: وهو متفاوت من عميل لآخر من حيث التعامل مع المنتج أو الخدمة وتحديدا الخدمات التقنية منها. حساسية العملاء الذين يعملون في مجال خدمة أو تجربة العميل تكون أعلى بكثير من حساسية العملاء الآخرين وذلك بسبب معرفتهم ووعيهم بما هو صحيح وما هو خاطئ (أكثر بكثير) من غيرهم.
- الوضع الاقتصادي: يمكن أن تنخفض أو ترتفع توقعات العملاء متأثرة بالوضع الاقتصادي للدولة، وبطبيعة الحال تنخفض التوقعات بانخفاض الحالة الاقتصادية والعكس صحيح. فمواطنون بعض الدول أدنى توقعاتهم هو أن توفر لهم الدولة بيتا فخما بينما تكون أعلى توقعات مواطنين دولة أخرى هو الحصول على راتب تقاعدي لا يغني ولا يسمن من جوع.
- وفرة وندرة الخدمة/المنتج:في عصر الثورة الصناعية كانت ندرة الخدمات والمنتجات تجعل المستهلكين يقبلون بأي شيء (ويحمدوا ربهم) لكن مع الوفرة وكثرة الخيارات ارتفعت التوقعات وأصبح مقدمة الخدمة/المنتج ينادي بعملائهم (آمروا تدللوا)، كذلك حال الأعزب عندما يكون صغيرا تكثر شروطه ويضع قائمة مواصفات مستحيلة ليتنازل كل ما تقدم به العمر ليقبل بأي عروس في نهاية المطاف (التشبيه مجازي ولا يقصد به التقليل من أي طرف).
- حِدَّة المنافسة: في عصرنا هذا المنافسة في أوجها والقاعدة العامة أنه كلما ازداد عدد مقدمي الخدمة/المنتج كلما ارتفعت توقعات المستهلك/المستفيد والعكس صحيح. لاحظ أنك عندما تتعامل مع جهات حكومية تخفض توقعاتك بشكل كبير وتحاول أن تداري وتضبط أعصابك مهما كنت غير راض عن الخدمة وذلك لكي تنتهي من معاملتك التي تقدمها جهة واحدة (محتكرة للخدمة)
- مستوى المسؤولية: عندما يكون متلقي الخدمة أو المنتج مسؤولا عن تقديمها لآخرين فتوقعاته تصبح أعلى بكثير، كمثال لو كان عندك عزيمة والمطعم جاب العيد فيك هل ستكون ردة فعلك هي ذاتها لو كنت تتناول الطعام وحدك فيه وجاب فيك العيد؟ الشاهد أن التوقعات هنا جمعية (متراكمة من توقعات جميع المستفيدين النهائيين للخدمة/المنتج) وليس فقط من طلبها أو دفع ثمنها. نفس الحال ينطبق على الأب الذي يأخذ عائلته في رحلة سياحية، توقعات كل أفراد عائلته تؤثر على حكمهم على مستوى الخدمة وليس الأب فقط.
كيف يمكننا تحديد التوقعات الحالية للعملاء؟
لدى كل عميل (سقف) توقعات، و(قعر) توقعات وطاقة احتمال (مساحة سماح) محدودة ويوجد ما يسمى بالتوقعات الدُنيا (أو العرفية) -Universal expectations- وهي المتعارف عليها بين غالبية العملاء مثلا من المتعارف عليه توفر دورات مياه أو أماكن للانتظار في الجهات الحكومية، تخيل كيف ستكون ردة فعل المراجعين إذا ما أصبحت هذه الأساسيات بمقابل رسوم أو في حال أصبحت على فئات محددة من المجتمع.
وفي عالم تجربة المستخدم يضعون النموذج الذهني -Mental Model- للمستخدم (وهو مستلهم من مدرسة علم النفس) لغرض اتخاذ قرارت معينة في تصميم تجربة وواجهة المستخدم.
إجابة على سؤال الفقرة: يتم عادة الاعتماد بشكل رئيسي على برنامج صوت العميل وعلى أبحاث التسويق بهدف رصد هذه التوقعات بشكل دوري (كونها متغيرة وليست ثابتة)، كما يمكنك البحث من مكتبك/جهازك عن عدة مصادر تتحدث عن التوقعات الدنيا للعملاء (لتكون نقطة انطلاقة بالنسبة لك).
ما هي التوقعات الدنيا للعملاء؟
تختلف من صناعة لأخرى وإن تقاطع الكثير منها في العديد من الصناعات، قم بالبحث في محرك جوجل مستخدما كلمات مفتاحية مثل
Universal expectation in X industry
Basic expectations in Y industry
وادرس النتائج لتتفاجئ بحقيقة مؤلمة هي أنه وفي معظم الشركات يكون لدى عملائها توقعات أساسية (دنيا وعرفية) لم تنجح الشركة في تحقيقها منذ سنوات.
كيف يمكن إعادة ضبط التوقعات؟
قبل التفكير في جانب إعادة ضبط توقعات العملاء علينا أن نفكر في منبع المشكلة (الفجوة) التي ذكرتها في بداية المقال، ولنتخيلها كالثقب في طبقة الأوزون، فإذا أردنا حق تقليص هذا الثقب أو على الأقل الحد من اتساعه فلنبدأ بالتفكير بما يسبب باتساع الفجوة ومنها المبالغة في الوعود في الإعلانات التجارية أو من خلال رجال المبيعات، أو سوء تنسيق بين التسويق والعمليات (فما تعد به إدارة التسويق تفشل إدارة العمليات بالوفاء به)، أو فشل في اتباع السياسات والإجراءات ومعايير تقديم الخدمة المتفق عليها سلفا،
أمر آخر، هو أن تفهم العوامل الأكثر تأثيرا على اتساع الفجوة، فلو افترضنا أن الانبعاثات الكربونية من السيارات هي السبب الأكبر (لاتساع ثقب الأوزون) فسيصبح تركيزنا على تطوير صناعة السيارات الكهربائية أو على التوسع بأبحاث الوقود الحيوي لزيادة انتاجه، أما في التجارب فهنالك نقاط تفاعل/التماس تؤثر بشكل أكبر من غيرها على مستوى ولاء العملاء كـ (لحظات الحقيقة) وكذلك النقاط التي تقع ضمن قاعدة الذروة والنهاية
في المجتمعات الشرقية الذكورية نسمع بالمثل القائل (اقطع رأس القط من ليلة العرس) وهي ممارسة ذكورية مريضة تتعلق بضبط توقعات العروس من ليلة العرس من خلال موقف مرهب ومخيف. كما أن الدورات العسكرية التمهيدية في بعض الدول العربية التي تكون فيها الخدمة إلزامية تشتهر بتطبيق ذلك حرفيا، إذا يرى العسكري الويل في الدورة التمهيدية (لتتدمر توقعاته) ويصبح أي شيء يحصل عليه أثناء خدمته العسكرية مُرضيا. طبعا هذه الممارسات العقيمة والقمعية لا يمكن بشكل من الأشكال تطبيقها مع العملاء لكن ذكرها من باب توضيح فكرة (ضبط التوقعات)
التحدي في إدارة التوقعات المرتبطة بالخدمات أصعب بكثير من المنتجات لأن الخدمات غير ملموسة، وتدخل العنصر البشري بها (ما لم تكن مؤتمتة 100%) يجعل من ثبات مستواها أمر شبه مستحيل. ومن المهم استيعاب أن توقعات العملاء بما يتعلق بالخدمات تتأثر بشكل كبير بالنصيحة المتناقلة (Word of mouth) وكل ما يندرج تحتها مثل مراجعات العملاء المنشورة على الانترنت وكذلك المراجعات الاحترافية من المدونين المتخصصين
والإجابة البسيطة لهذا السؤال بعد التمهيد الطويل هو: أنه يجب على الشركات أن تعتني أكثر بجانب (تصميم التجارب)، فالرحلة التي تم تصميمها سلفا بشكل صحيح لن يحدث بها أي ممارسات تؤدي لرفع التوقعات مثلا عند تقديم خدمة جديدة للعملاء دون أن يتم شرح فائدتها والغاية منها وطريقة استخدامها فستصبح هذه الخدمة سلبية في رحلة العميل رغم طيب النوايا كمثال خدمة الـ (Exit Express) التي تساعد المسافرين على الخروج بسرعة من مواقف المطارات من خلال الدفع عبر أجهزة خاصة قبل ركوب السيارة والتوجه للمخارج، فرغم أن هذه الخدمة هدفها التسهيل على العميل إلا أني عانيت كثيرا في أول مرة اضطررت لاستخدامها حتى ساعدني أحد عمال النظافة في المطار لأستوعبها واستخدمها. الشاهد عندما يتم تصميم كامل رحلة العميل سلفا وتحديد مسؤوليات جميع أصحاب العلاقة ضمن كل قناة وفي كل نقطة تفاعل، فستكون أحد المسؤوليات كمثال (تثقيف العملاء وتأهيلهم لفهم الخدمة واستخدامها) وقد تكون هذه مسؤولية مشتركة بين فريق نجاح العملاء وفريق التسويق
لنفترض الآن أنك استوعبت جميع توقعات عملائك وفهمت أيضا مصادرها والمؤثرات التي ساهمت في تشكيلها (وأهمها: وعود الشركة) ستصبح الآن مهمتك الرئيسية هي إعادة ضبط التوقعات من خلال طرح الوعود بطريقة مختلفة، ولربما التحلي بشفافية كافية للاعتذار عن تقديم الخدمة كسابق عهدك مع توضيح الأسباب … التصميم الجيد للتجارب والتنسيق المسبق مع جميع أصحاب العلاقة للتأكد بأن ما تعد به إدارة ما ستسطيع إدارة أخرى الوفاء به (وزيادة) … أن تعد بالأقل وتفي بالأكثر أفضل بكثير من أن لا تتمكن من الوفاء بوعودك. عدة شركات أعادت ضبط التوقعات وغيرت من طريقة تقديم الخدمة، فالوجبات المجانية على متن الطائرات باتت مدفوعة في عدة خطوط طيران أخرى، وشركات أخرى وضعت ضمانات للخدمة أرهقتها مثل وعد توصيل البيتزا خلال 30 دقيقة وإذا لم يتم التوصيل خلال هذه المدة تحصل مباشرة على خصم 50%، وشركات أخرى وضعت ميثاقا لخدمة العملاء لتجسد من خلاله وعودها لعملائها في مستويات الخدمة، ومن ثم تنشر وبكل شفافية نهاية السنة تقريرا يوضح مستوى التزامها بهذا الميثاق وتعتذر إن أخفقت وتوضح كيف ستصلح الوضع مستقبلا
في الختام
الفجوة وعملية تقليصها ليست بتلك السهولة فهنالك شركات تنجح بتحديد توقعات عملائها لكنها لا تنجح بضبطها وشركات أخرى لا تكترث أساسا بهذه الفجوة لأنه جل تركيزها على استقطاب العملاء الجدد لا المحافظة على العملاء الحاليين وهناك شركات تدمن القرار الحدسي حيث يتخذ القرار على أساس فرضيات شخصية، ومتخذي قرار آخرون يصنفون توقعات العملاء على أنها غير منطقية أو غير عملية ويتبنون مبدأ بأن إرضاء العملاء غاية لا ولن تدرك!!، وهكذا تتسع الفجوة ويبقى باب اجتهاد متخذي القرار مفتوحا على مصراعيه لتدمير الشركة. وهنالك شركات أخرى لديها معايير رائعة فيما يتعلق بتحديد التوقعات وإدارتها لكن التنفيذ على أرض الواقع لا يتطابق مع هذه المعايير. الحديث يطول في جانب إدارة التوقعات وما كان هذا المقال إلا لغرض تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم، وعلى الله قصد السبيل.