بعد سنوات طويلة من الصراع والدمار، تواجه الأمم تحديات جسيمة في إعادة بناء هويتها واستعادة مكانتها على الساحة العالمية. سوريا، البلد الذي يمتلك إرثًا ثقافيًا عريقًا وأهمية تاريخية وتنوعًا سكانيًا فريدًا، تواجه تحديًا مضاعفًا لإعادة بناء هويتها الوطنية، خصوصًا بعد أكثر من خمسين عامًا من الحكم الذي اختزل الهوية الوطنية وشوهها تحت مظلة “سوريا الأسد”، مما حول البلاد إلى ملكية شخصية لنظام استبدادي ارتكب جرائم لا تُحصى. هذا النهج أدى إلى تآكل الهوية الوطنية لبلد كان يومًا مهد الحضارات، تاركًا السوريين في حالة انقسام ثقافي وضياع لهويتهم الوطنية.
إعادة تصور الهوية الوطنية لسوريا ليست مجرد خطوة لتغيير نظرة العالم إليها، بل هي ضرورة لإعادة بناء الروح الجماعية لشعبها، وتعزيز الوحدة الوطنية، ووضع أسس رؤية مشتركة تساهم في تحقيق التعافي الاقتصادي والاندماج الاجتماعي الشامل.
تفكيك الهوية الثقافية
تاريخ سوريا هو لوحة فسيفسائية ثرية تكونت من مساهمات حضارات متعددة عبر آلاف السنين، بدءًا من حضارة إيبلا القديمة وعظمة تدمر وصولًا إلى العصر الذهبي للخلافة الأموية و عاصمتها دمشق. لكن هذا الإرث المشرق تعرض للطمس على يد عقود من الاستبداد والفساد والأزمات الإنسانية و الإقتصادية التي خلفها نظام الأسد الأب و الإبن.
سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024 يمثل فرصة فريدة لسوريا والسوريين لاستعادة وتعريف هويتهم الوطنية، والتخلص من ظلال الماضي المشوه لبناء مستقبل أكثر إشراقًا.
منذ تولي حافظ الأسد السلطة عام 1970، تعرضت الهوية الثقافية السورية لتفكيك منهجي عبر القمع المتواصل. تم تهميش التعددية الثقافية لصالح سردية قومية عربية صارمة تخفي في جوهرها طائفية و مناطقية مستترة، بينما قُمعت الحريات الفكرية والفنية. مع وصول بشار الأسد إلى الحكم في عام 2000، تحولت الثقافة بشكل متزايد إلى أداة دعائية. ثم جاءت انتفاضة 2011 وما تلاها من صراع لتدمر المدن والبنية الحضارية بشكل ممنهج من قبل سلطة الأسد ، بما في ذلك مواقع تاريخية بارزة مثل تدمر ومدينة حلب القديمة، مما مثل رمزًا لتدمير الهوية التاريخية لسوريا.
أهمية “ترويج العلامة الوطنية” لإعادة البناء
يتجاوز مفهوم “ترويج العلامة الوطنية” كونه مجرد أداة تسويقية، ليصبح وسيلة تحويل شاملة تهدف إلى إعادة تشكيل صورة الدولة من خلال إبراز ثقافتها وقيمها وإنجازات شعبها. هذا النهج يمكن أن يعزز الاستثمار، ويجذب السياحة، ويبني صورة إيجابية لسوريا على المستوى الدولي. يعتمد هذا التحول على فهم عميق لثقافة الأمة، والتي تشكل الأساس لهويتها وتؤثر على قيمها ورؤيتها المستقبلية.
خارطة طريق لإعادة بناء الهوية الوطنية السورية
في مرحلة ما بعد الصراع، يمكن لسوريا أن تستلهم من تجارب دول أخرى نجحت في إعادة تعريف هويتها الوطنية. وتشمل الخطوات الأساسية ما يلي:
- وضع استراتيجية وطنية: صياغة رؤية موحدة تعكس قيم ومهارات وآمال الشعب السوري.
- إحياء الثقافة: التركيز على التراث الثقافي والتاريخي لسوريا واستثمار الفنون لتعزيز الفخر الوطني.
- إصلاح الحوكمة: بناء مؤسسات حكم شفافة وشاملة تعزز الثقة بين المواطنين والدولة.
- إعادة بناء الاقتصاد: استغلال الموقع الجغرافي المميز لسوريا لجذب الاستثمارات ودفع عجلة النمو المستدام.
- تمكين الشباب: إصلاح النظام التعليمي لتعزيز التفكير النقدي والإبداع، وإشراك الشباب في عملية إعادة البناء.
- التعاون الدولي: إقامة شراكات عالمية لدعم جهود إعادة الإعمار وتوفير الموارد والخبرات اللازمة.
ختاما إعادة بناء الهوية الوطنية لسوريا تمثل تحديًا وفرصة نادرة لإعادة تشكيل مستقبل البلاد من خلال خارطة طريق متوازنة تجمع بين الإرث الثقافي والقيم التقدمية، يمكن لسوريا أن تتجه نحو مستقبل أكثر إشراقًا يحمل في طياته الأمل والازدهار لشعبها.
شاركونا أفكاركم وآرائكم في التعليقات!