بيير بورديو هو عالم اجتماع فرنسي، احد العلماء والباحثين الاساسيين بالحياة الثقافية والفكرية في فرنسا واحد ابرز المراجع العالمية في علم الاجتماع المعاصر. وفي هذه المقالة سوف نتحدث عن بعض اهم مفاهيمه في علم الاجتماع وهو مفهوم اشكال رأس المال.
إن استخدام بورديو لمفهوم رأس المال لا يقتصر فقط على البعد الاقتصادي “الكلاسيكي” وإنما يتجاوز ذلك الى أبعاد أخرى متنوعة فهناك عدة صور لرأس المال مثل رأس المال الثقافي ورأس المال الاجتماعي ورأس المال الرمزي، وتعكس تلك الرؤية لرأس المال تفسيرا متعدد الابعاد للظواهر الاجتماعية، فهو يرى أن العالم الاجتماعي يمكن ادراكه كفضاء متعدد الابعاد Multi-Dimensional Space يتشكل واقعياً من خلال الهيمنة على الاشكال المتنوعة لرأس المال. إن رأس المال الاقتصادي يرتبط مباشرة بالثروة، أما الاشكال الاخرى لرأس المال فتمثل صورة من صور القوة في المجتمع.
اولاً رأس المال الاجتماعي
ولقد جـاء تعريـف بييـر بورديـو Bourdieu Pierre لمفهوم رأس المال الاجتماعى ليقصد به “مجموعة المـوارد الممكنـة التـى تتوافر للشخص بفضل حيازة شبكة من العلاقات الاجتماعية مع أفراد المجتمع، حيـث تنطـوى هذه العلاقات على منظومة من القيم تأتى فى مقدمتها مشاعر الاحترام والامتنان والتعاون والثقـة.
وهكذا ينظر بورديو إلى رأس المال الاجتماعى على أنه رصيد اجتماعى مـن العلاقـات والقيم والإيجابية والمتمثلة فى التعاون والثقة والعقلانية ويتقابل مع الرصيد الذ ى يمتلكـه الفـرد من رأس المال المادى. وهكذا يمكن القول بأن رأس المال الاجتماعى إنما يعـد بمثابـة رصـيد قابل للتداول والتراكم مثله مثل رأس المال المادى، فالفرد عندما ينضم إلى عـضوية أحـزاب أو منظمات غير حكومية أو يسعى إلى تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية، فإنما يكـون لنفـسه رصيداً اجتماعياً يعضد من مصالحه ومن رصيده من القوة والهيبة.
ثانياً رأس المال الثقافي:
رأس المال الثقافي cultural capital يتشكل مما يمنحه التعليم والتدريب من مهارات ومعرفة وامتيازات وتوقعات ومكانة اجتماعية، ولذا لم ينظر بورديو للمدارس والجامعات باعتبارها مواقع لتوزيع رأس المال الثقافي، بقدر ما رأي فيها مواقع لمنح شرعية لرأس المال الثقافي للطبقتين الوسطى والعليا.
ويوجد رأس المال الثقافي في صور متعددة، فقد يكون مجموعة من القدرات والخصائص الدائمة المتمثلة داخل الفرد كالمعرفة والمهارات المختلفة، وقد يتمثل في السلع الثقافية كالكتب واللوحات الفنية، ويتمثل كذلك في الالقاب العلمية والشهادات.
ويشــير مفهوم رأس المــال الثقافي إلى المــوارد التــي يحوزها الفاعل الاجتماعي من خلال علاقتــه بالثقافة، سواء كانت هذه المــوارد موروثة من خلال كل ما يحوزه الفرد من عملية التنشئة الاجتماعية، مثال اللغة، وعناصر البنية العقلية (أنماط التفكير، الاستعــدادات، نظم المعاني)، أو مكتسبة من خلال المؤهــلات التعليمية، وتقاس قيمــة كل مؤهل هنــا بالاعتماد على عدد السنوات التي يقضيها الفرد في التعليم.
يمكن أن يتواجد رأس المال الثقافي في ثلاثة أشكال: في الدولة المجسدة، أي في شكل تصرفات طويلة الأمد للعقل والجسم، في الحالة الموضوعية، في شكل السلع الثقافية (الصور والكتب والقواميس والأدوات والآلات، وما إلى ذلك)، التي هي أثر أو تحقيق لنظريات أو نقد لهذه النظريات، الإشكاليات، الخ. وفي الدولة المؤسسية، وهو شكل من أشكال التجسيد التي يجب تعيينها وبصرف النظر لأنه، كما سوف ينظر إليه في حالة المؤهلات التعليمية، فإنه يمنح أملاك أصليّة تماما على رأس المال الثقافي أيّ هو افترضت أن يضمن.
ثالثاً رأس المال الرمزي
رأس المال الرمزي symbolic capital ويقصد به الموارد المتاحة للفرد نتيجة امتلاكه سمات محددة كالشرف Honor والهيبة Prestige والسمعة الطيبة renown والسيرة الحسنة reputation والتي يتم إدراكها وتقييمها من جانب أفراد المجتمع. ويعد رأس المال الرمزي مصدرا للسلطة، حيث يمنح صاحبه مكانة اجتماعية في الجماعة التي ينتمي إليها، ويصبح للشخص كلمة أو رأيا مسموعا، ويتوزع رأس المال الرمزي على رؤوس الاموال الاخرى.
ولقد جاء التطور الذي شهده مفهوم رأس المال بعد ذلك ليحذف أو يعدل جوهريا التفسير الطبقي كتوجه نظري ضــروري، وهذا التطور يتجسد على نحو واضح في رؤيــة بورديوBourdieu لمفهوم رأس المــال، والتي تتلخص في أن رأس المال يشير الى تراكم العمل في شكله المادي أو شكله المنتج المجسد، والذي عندما يحوزه فرد أو جماعــة يمكنهم من امتلاك قــوة اجتماعية بصورتهــا المادية أو الاجتماعيــة (الحياتية)، ويمثــل رأس المال بهذا المعنى قوة ذات بنى ذاتية وموضوعية. وبنيــة توزيع الأشكال الرئيسة والفرعية لرأس المال في لحظة معينة تعكــس وتجسد بنية العالــم الاجتماعي؛ حيــث إن رأس المال وأشكاله المختلفــة ووظائفه داخل العالــم الاجتماعي تكون محكومة بمجموعة من الكوابــح Constraints التي يشملها العالم الاجتماعي، تلك الكوابح التي تحكم وظائف رأس المال بطريقة مستمرة، وتحدد فرص النجاح للممارسات المختلفة المرتبطة به.
وفي النهاية نستطيع ان نخرج ببعض المعلومات المفيدة التي يمكن ان تحدث تغييراً في منظورنا نحو مفهوم رأس المال، فكما يستطيع المرأ ان يكون غنياً مادياً، يستطيع ايضاً ان يكون غنياً اجتماعياً وثقافياً ورمزياً. وكما لرأس المال الاقتصادي قوة، فإن لبقية اشكال رأس المال قوى ليست بأقل، ان اشكال رأس المال المختلفة تعمل معا اذا تم استعمالها بطريقة صحيحة، كي يدعموا بعضهم بعضاً من اجل تحقيق هدف معين يتمناه الفرد.