ثقافة “نتفليكس”: بين الشفافية القاسية والتكيف مع زمن الأزمات

  1. ثقافة “نتفليكس”: بين الشفافية القاسية والتكيف مع زمن الأزمات

✍️ ندى نصري – مستشارة مالية واستراتيجية

منذ انطلاق حركة #MeToo عام 2017، دخلت المؤسسات في مواجهة حاسمة مع مفاهيم مغلوطة لطالما كانت طي الكتمان. لم يعد الصمت خيارًا، ولم تعد المواقف الرمادية مقبولة. التحدي الحقيقي اليوم هو: كيف تؤسس ثقافة مؤسسية شفافة وجريئة دون أن تنكسر أمام عواصف الرأي العام والتغيرات الاجتماعية؟

شركة Netflix تقف في الصف الأول من هذه المواجهة. ففي عام 2018، قامت بإقالة مدير الاتصالات بعد استخدامه تعبيرًا عنصريًا خلال اجتماع داخلي. لم تُوجه الكلمة لشخص بعينه، ولكن ثقافة “الاحترام غير القابل للتفاوض” التي تتبناها الشركة لم تسمح بأي تبرير. تأخر رد الفعل التنفيذي فجّر التوتر داخل المؤسسة، وأثبت أن غياب القرار يُعد في حد ذاته قرارًا سلبيًا، يمكن أن يهز ثقة الموظفين في العدالة التنظيمية.

تتبنى Netflix فلسفة تُعرف بـ “The Netflix Way” – ثقافة مبنية على الحرية مقابل المسؤولية، وتشجيع النقد البنّاء، ومنح الموظف الثقة الكاملة في السلوك واتخاذ القرار. هذه الثقافة منحت الشركة مرونة تشغيلية عالية وقدرة استثنائية على التكيف مع سوق متقلب وسريع التغير. لكن جوهر هذه الثقافة يعتمد على قاعدة أساسية: الثقة تفترض النضج، والمساءلة تعني أنك تتحمل تبعات قراراتك مهما كانت الظروف.


✅ الإيجابيات:

  • اتخاذ القرار بلا تردد، لأن البنية الثقافية لا تشجع التأجيل أو التردد.

  • الشفافية كأداة للرقابة الذاتية، لا أداة للمحاسبة فقط.

  • تحفيز أداء النخبة: إما أن تكون الأفضل، أو تكون خارج اللعبة.

  • المرونة الثقافية تسمح بإعادة بناء فرق العمل بشكل سريع دون أن تنهار العمليات الأساسية.


⚠️ السلبيات:

  • الوضوح المفرط قد يُترجم إلى عدوانية في بيئة لا تتسامح مع الأخطاء.

  • انعدام التسلسل الإداري الكلاسيكي يجعل الاستقرار الوظيفي شعورًا مؤقتًا.

  • ضغط الأداء المستمر قد يحول بيئة العمل إلى اختبار يومي للبقاء، لا للتطور.

  • الموظفون ذوو الأسلوب الهادئ أو المحافظ قد يشعرون بأنهم مستبعدون ثقافيًا أو لا يجدون صوتهم.


💡 ما الذي نتعلّمه كقادة؟

  • الثقافة المؤسسية لا تُقاس بالخطب، بل بالقرارات الصعبة. القيم تُختبر عندما تكون الكلفة مرتفعة.

  • الصراحة لا تعني القسوة. القيادة الحقيقية تتطلب توازنًا بين الحزم والاحتواء.

  • التسامح ليس ضعفًا، بل استراتيجية. الشركات التي تنجح طويلًا هي تلك التي تفرق بين الخطأ القابل للتعلم، والخطأ غير المقبول.

نتفليكس قدمت درسًا حقيقيًا: الثقافة القوية لا تحمي المنظمة فقط، بل تُعزز تنافسيتها في مواجهة التحديات الأخلاقية والسوقية معًا. ولكن كل ثقافة، مهما بلغت من الصلابة، تحتاج لمراجعة دورية حتى لا تتحول إلى عبء على مرونتها. ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا:

كيف يمكن لقادة اليوم بناء ثقافة مرنة، عادلة، ومُلهمة… دون التضحية بالكفاءة أو التماسك؟


🔍 رؤية استشارية 

ثقافة الأداء المرتفع لا تنجح بالضغط وحده، بل بالتوازن بين الحزم والمرونة. ما قامت به نتفليكس هو استثمار في الوضوح والتمكين، لكنه نموذج لا يناسب كل بيئة. قبل أن تتبنى أي مؤسسة هذا النوع من الثقافة، يجب أن تتأكد من جاهزيتها التنظيمية والنفسية. كقادة، مهمتنا ليست فقط نقل السياسات، بل بناء بيئة تُشبهنا وتدفعنا للأمام دون أن تُقصينا.

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.