حين يُصبح الصلح على حساب العدالة

حين يُصبح الصلح على حساب العدالة

 

الصلح قيمة عظيمة في المجتمعات الإنسانية، وهو في جوهره يسعى إلى رأب الصدع وتهدئة النفوس وقطع الطريق أمام استمرار الخصومات. لكن الخلل يظهر حين يتحول الصلح من وسيلة لإحقاق الحق إلى وسيلة لتكريسه. كثيراً ما نرى في خلافات الناس أن الجميع يتوجه إلى الطرف الأضعف وغالباً يكون المظلوم مطالبيه بالتنازل عن حقه “لوجه الله” أو “حرصاً على المودة”، بينما لا نجد أحداً يطالب الظالم برد الحقوق أو الاعتذار عمّا اقترف.

هذه الصورة المتكررة تزرع في الوعي الجمعي فكرة خطيرة: أن العدالة يمكن أن تُضحى بها في سبيل راحة المجتمع، وأن الظالم معفى من الحساب طالما أن الطرف المظلوم قابل بالسكوت. النتيجة أن المظلوم يعيش جرحين: جرح الظلم ذاته، وجرح التنازل القسري عن حقه تحت ضغط اجتماعي. أما الظالم فيخرج من الموقف مطمئناً، بلا مساءلة ولا عقاب، مما يشجعه على تكرار سلوكه.

المجتمع الذي يسوّي بين الظالم والمظلوم في لحظة الصلح، يفقد أهم معاييره الأخلاقية. فحين يُطلب من المظلوم أن يغفر من دون أن يُرد له حقه، تتحول العدالة إلى قيمة ثانوية، وتصبح العلاقات الإنسانية قائمة على “السلام الزائف” لا على الإنصاف. وبمرور الوقت، ينمو شعور داخلي بالغبن لدى الأفراد، وتتراكم حالة من عدم الثقة في أي منظومة اجتماعية تدّعي حماية القيم.

الصلح الحقيقي لا يعني سحق حق أحد الأطراف من أجل تهدئة الآخرين. بل هو التزام أخلاقي واجتماعي بإعادة التوازن: رد الحقوق لأصحابها، إلزام المعتدي بالاعتراف بخطئه، وفتح صفحة جديدة على أساس العدل لا على أساس التنازل القسري. عندها فقط يتحول الصلح إلى جسر حقيقي للتسامح، لا إلى أداة لتزيين الظلم.

إن المجتمعات التي تضع العدالة في قلب أي تسوية، هي مجتمعات تُربي أفرادها على تحمل المسؤولية وتصحيح الأخطاء. أما المجتمعات التي تكتفي بالضغط على المظلوم ليتنازل، فهي بذلك تُعمّق من جراحه وتفتح الطريق لدوامة لا تنتهي من الاعتداءات والخذلان.

فالسلام بلا عدل ليس إلا هدنة هشة، سرعان ما تنهار أمام أول اختبار جديد. والمجتمع الذي يريد حقًا أن يحافظ على استقراره، عليه أن يدرك أن العدالة ليست ترفاً ولا خياراً ثانوياً، بل هي الأساس الذي تُبنى عليه أي مصالحة حقيقية، وأي علاقة صحية بين الأفراد. فالحقوق لا تسقط بالضغط، بل تُحفظ بالإنصاف، ومن دون ذلك لن ينشأ سوى صلح شكلي يخفي وراءه ناراً لا تهدأ.

no
no

لقد ساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة هذا المقال

اختار المشارك أن يبقى مجهولًا.

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.