دهون البطن وشكل جدسك

عزيزتي القارئة، إذا جاءتك جنية الأماني فخيّرتكِ بين التفاح والإجاص، أيهما ستختارين؟

إذا اخترت الإجاص فقد أحسنت الاختيار.. ولكن لماذا؟!

ليس لأن الإجاص ألذّ برأيي الشخصي، بل هناك العديد من الأسباب الأخرى..

تتساءلين.. ولكن ما دخل هذا كله بدهون البطن؟

في هذا المقال سنتحدث عن التفاح والإجاص، عن البطن والأفخاذ والأرداف – أو بلهجة أخرى- عن القواعد الاستراتيجية للدهون في الجسد. وقبل أن نخوض في التفاصيل التكتيكية لأماكن تمركز الدهون في الجسم، لا بد أن نأخذ لمحة سريعة عن أرض المعركة، أعني عن أشكال أجسادنا.. دعوني أبدأ أولًا بزف خير جميل لبنات حواء: أنتن إجاصات بالفطرة!

تصنف أجسادنا حسب الشكل الذي تتخذه إلى فئتين رئيستين:

1.     جسد التفاحة: تتركز الدهون هنا في منطقة البطن بشكل عام.

2.     جسد الإجاصة: تستقر الدهون هنا في الأفخاذ والأرداف.

كيف يحدث هذا الاختلاف في التوزع؟ أيهما أفضل؟ ولماذا؟

·        أولاً: حزب التفاح:

غالبية أعضاء هذا الحزب من الذكور، إلا أن بعض الإناث ينتمين إليه أيضًا. العامل الحاسم في هذا التقسيم يعود للتركيبة الهرمونية في الجسم، فهرمونا الكورتزول والإنسولين يساهمان في تجمع الدهون مركزيًا (أي في الجذع والبطن والأحشاء)، ومن المعروف أن إفراز الكورتزول أعلى لدى الذكور، بحكم اعتبارات هرمونية تتعلق بكتلة الجسم العضلية والهرمونات الذكورية. نلاحظ أيضًا أن مرضى السكري المعتمدين على الإنسولين يعانون من ازدياد في الوزن على حساب السمنة المركزية. بقي أن نذكر أن معظم الإناث المنتمين إلى حزب التفاح يكنّ في سن متقدمة، وسنعرف السبب بعد قليل.

·        ثانيًا: حزب الإجاص:

تنتمي الإناث بشكل طبيعي لهذه المجموعة، شكرًا لهرمون الإستروجين. إذ يساهم الإستروجين – والذي يعد الهرمون الأنثوي الرئيس- في تركيز الدهون في الأرداف والأفخاذ. ومع انخفاض نسبة هذا الهرمون مع التقدم في العمر تميل الدهون إلى التركز في البطن لدى بعض النساء. إن من حسن حظ الإناث أن يمتلكن أردافًا ممتلئة، ليس كما الذكور.

لكن ما الرابط بين الأرداف الممتلئة والحظ السعيد؟

الجواب هو نوع الدهون.

إذ تنقسم الدهون حسب توزعها في جسمنا إلى نوعين:

                   I.          دهون سطحية تحت الجلد  subcutaneous fats: تتوزع تحت الجلد، وتكمن مهمتها في تشكيل طبقة عازلة تحفظ حرارة الجسم وتحميه من الصدمات، وهي بالمعنى الطبي ليست مشكلة كبيرة.

 

                 II.          دهون حشوية visceral fats :وهي التي تتجمع حول الأحشاء الموجودة داخل البطن والصدر، كالأمعاء والكبد والكليتين والقلب أيضًا، وتشكل هذه الدهون بمجموعها ما يسمى بالعضو الشحمي في الجسم، وهو عضو بالمعنى الوظيفي لا الشكلي، فبالرغم من أن شحوم البطن لا تتخذ هيئة معينة مثل الكبد أو الكلية إلا أنها تساهم في العديد من التفاعلات الفيزيولوجية في الجسم وكأنها عضو مستقل بذاته.

 

وظائف الدهون الحشوية في الجسم:

     

ليست كل أنواع الكولسترول مضرة!

فهناك الكولسترول عالي الكثافة أو HDL وهو نوع مفيد للجسم، إذ يساعد في تخلص الجسد من الدهون الضارة، كما يساهم في تخفيض نسبة الأمراض القلبية الوعائية. يتواجد الـ HDL في زيت الزيتون والبقوليات كالفاصولياء وفي الحبوب الكاملة والأسماك الدهنية كالسلمون والسردين، وأيضًا في بذور الكتان والمكسرات والأفوكادو.


·  تخزين الشحوم على هيئة غليسريدات ثلاثية Triglycerides، وبالتالي فإن ارتفاع الشحوم الثلاثية والكولسترول (الكوليسترول منخفض الكثافة LDL خاصةً) في الدم يدلنا على زيادة كمية النسيج الشحمي الحشوي لدينا. ولا يخفى عليكم ضررها الكامن في تصلب الشرايين وزيادة حوادث الجلطات القلبية والدماغ   

 

 

·        إفراز عوامل إلتهابية: يفترض بهذه العوامل المفرزة من النسيج الشحمي أن تساعد عمل الجهاز المناعي الالتهابي في الجسم، إلا أن زيادتها يعود بأضرار جمة على الصحة، منها مقاومة الأنسولين (وما ينجم عنها من إرهاق للبنكرياس وأهبة للإصابة بالسكري) وتفعيل الإلتهاب في جدر الشرايين ما يرفع من خطر حدوث الخثرات والجلطات.

 

·        إفراز اللبتين: وهو الهرمون الرئيس المسؤول عن الشعور بالشبع، وسنفصل فيه أكثر بعد قليل.

 

سؤال حذِق: لماذا ترفض دهون البطن أن تتزحزح رغم الريجيم؟

هل جربتم مرة اتباع حمية ما، وقطعتم فيها أشواطًا.. إلا أن البطن ما زال عنيدًا يرفض أن يخسر من وزنه؟

يعود السبب في هذا إلى أن الدهون المتراكمة في البطن ذكية! ويرجع هذا إلى تمتعها بقدرات إفرازية فيزيولوجية، فهي -كما قلنا- تعامل معاملة العضو في الجسد، ولذا فهي تدافع عن نفسها عندما نحاول تخفيض وزننا، هذا إضافة لما ذكرنا من كونها “مخزنًا للشحوم” ومن المنطقي أن يستخدم الجسم الشحوم التي في متناول يديه (تحت الجلد) قبل أن يلجأ لتفريغ المخازن. ولهذا فإن التخلص من دهون البطن يحدث في آخر مراحل الحمية ويحتاج مجهودًا رياضيًا وحميَويًّا أكبر.

وقبل الختام تعالوا نعرف المزيد عن اللبتين: كنا قد ذكرنا أن اللبتين هرمون يفرز من النسيج الشحمي ويساهم في تفعيل الشعور بالشبع. سيخطر ببالكم هنا سؤال ذكي: ما دام البدناء يمتلكون نسيجًا شحميًا أكثر فهذا يعني أنهم يمتلكون كمية أكبر من اللبتين وبالتالي يفترض أن يشعروا بالشبع أسرع من غيرهم، أليس كذلك؟

في الحقيقة، ليس الأمر بتلك البساطة، ما يحصل هو أن الدماغ أمام كميات اللبتين الكبيرة الموجودة في الدم يلتبس عليه الأمر! دماغنا يدرك أن خطأً ما يحصل، وأمام التدفق المستمر للبتين يعمل على تشكيل مقاومة ضد اللبتين leptin resistance، ما يعني رفض استجابته للإشارات التي ينقلها إليه هذا الهرمون، ما يؤدي إلى انخفاض الشعور بالشبع بعد تناول الطعام وتزايد الشهية بشكل مرضي.

 

بعد الاطلاع على هذه المعلومات أصبحنا ندرك جيدًا أحد أهم الأسباب – إن لم يكن الأهم – في ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية لدى الذكور مقارنة بالإناث؛ إنه “الكرش” أو دهون البطن إذا أردنا اختيار تعبير منمّق.

وقبل أن تذهبوا تعالوا أعلمكم حيلة سهلة تعطيكم تصورًا نسبيًا عن نوع الشحوم في بطونكم، هل هي سطحية تحت الجلد أم حشوية داخل البطن:

استلقوا على ظهوركم، استرخوا.. ألقوا نظرة على بطونكم.. وهنا طبقّوا القاعدة التالية: ما يرتفع من سطح البطن عن مستوى الجسم يعني دهونًا حشوية أما ما يهبط مع البطن نحو الأسفل فهي دهون تحت الجلد، مثل تلك الموجودة في الأفخاذ والأرداف.. لا يعني هذا أنها صحية بالمجمل، لكهنا ليست بخطورة نظيرتها الحشوية.

وختامًا لا بد أن نسأل، هل ما زال التفاح ناجحًا في إبقاء الأطباء بعيدًا، أم بات علينا استبداله بالأجاص؟

دمتم بصحة وعافية، وبالطبع تواقين لمزيد من المعرفة الشافية

 

د. عبادة الحمدان

طبيب جراح وروائي

 

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.