في كل عام، مع اقتراب شهر رمضان المبارك وأيام الأعياد، أجد نفسي غارقًا في بحر من الرسائل عبر الواتساب. رسائل تحمل التهاني بالشهر الكريم، تلك المناسبة التي كان النبي ﷺ وأصحابه يستقبلونها بالفرح والبهجة. لكن تساؤلات تراودني، هل هذه العادة سنة مستحبة أم مجرد تقليد تحول إلى روتين يفتقر للروح والمعنى؟ بصراحة، لا أعتبرها سنة، بل أراها إن تجاوزت حدود اللطف وأصبحت مصدر إزعاج، لدرجة أن تصبح مكروهة، لا ينكر على من لا يرسل التهنئات ولا ينكر على من لا يرد عليها.
والأمر نفسه يتكرر في الأعياد؛ نتلقى مئات التهاني من معارف وشركات. يأتي هذا الطوفان من الرسائل في وقت قصير، حتى يصبح كالسيل الذي لا يرحم.
ما يثير الاستياء ليس فقط الكمية، بل الكيفية؛ فالرسائل عادةً ما تكون نسخًا ولصقًا، دون أي جهد في التخصيص. حتى أنها في بعض الأحيان ينسى من ينسخ ويلصق أن يغير اسم مرسلها عندما يعيد إرسالها. كما أن العديد من هذه الرسائل تُرسل بشكل جماعي، دون تفكير أو اعتبار لمشاعر المتلقي. ولعل الأكثر إزعاجًا هي تلك التهاني التي تُرسل في مجموعات الواتساب، بلا هدف واضح أو أي قيمة مضافة غير أنها تسنفذ ذاكرة الجهاز أو الذاكرة السحابية التي تشترك بها.
هل تريدون ما هو أدهى وأمر، ذلك الذي يرسل صورة تضمن تهنئة وجدها في أقرب عملية بحث عبر جوجل … والأكسل منهم جميعا والذي يستحق جائزة بالكسل … من يرسل ستيكر تتضمن التهنئة.
ولا أنسى بالطبع أولئك الذين يشوهون منصات شبكات اجتماعية احترافية مثل لينكدإن بمثل هذه الرسائل، أول شيء أفعله معهم هو الإبلاغ عن منشورهم ومن ثم إلغاء متابعة الشخص.
ألا ينبغي أن نتساءل عن قيمة هذه الرسائل؟ هل يكفي أن تكون مجرد كلمات مكررة لتعبر عن صدق المشاعر؟ ماذا لو كان البديل اتصال دافئ، رسالة صوتية مخصصة، أو حتى بطاقة مكتوبة بعناية.
تخيلوا الجهد الذي يتطلبه الرد على هذا الكم الهائل من الرسائل، خصوصًا إذا كان المستقبل يحمل من المسؤولية القدر الكافي الذي يدفعه للرد على الجميع. يخبرني أحدهم أنه أمضى ثلاثة ساعات في الرد على المعايدات في العيد الماضي. أما عني فأعتذر، لكني في هذا العمر لم أعد أمتلك الطاقة لتبادل المجاملات الفارغة.
لنكن صرحاء: هذه العادة تفقد معناها عندما تصبح مجرد روتين، خالٍ من الإحساس والتقدير. ينبغي على من يمارسها التفكير في الأثر الذي يتركه وراءه. هل يضيف لمسة خاصة تجعل المتلقي يشعر بالتميز، أم يكتفي بالتقليد دون تفكير؟ الخجل يكمن في استمرار هذه العادة دون وعي بتأثيرها.
فلنراجع أنفسنا ونعيد التفكير في كيفية تعزيز علاقاتنا بالآخرين بطرق أكثر دفئًا وتعبيرًا.