من خبرتي الطويلة في العمل مع شركات صغيرة ومتوسطة في العالم العربي وجدت تطابق كبير بين نظرية الحصان الميت وما يفعلونه لإدارة مشاريعهم الفاشلة، من النظرة الأولى في عالمنا المليء بالحلول المعقدة للمشاكل البسيطة، تبرز حكمة قديمة وبديهية وهي إذا اكتشفت أن الحصان الذي تمتطيه قد فارق الحياة، فالحل المنطقي الوحيد هو أن تترجل. بسيطة، أليس كذلك؟ أما ما يحدث في الحقيقية، هي قولهم نحن أصحاب العقول الإدارية التجارية الفذة والمؤسسات العريقة، فنرى في الحصان الميت فرصة لا تُعوض للإبداع وإثبات الذات.
تخيل المشهد: أنت فارس نبيل، وحصانك الوفي، الذي كان يومًا يصهل ويعدو، أصبح الآن مجرد قطعة أثاث ضخمة تزين الطريق. الرائحة ليست أفضل ما يكون، والذباب بدأ يتخذ منه مسكناً. ماذا تفعل؟ هل تنزل؟ بالطبع لا! هذا اعتراف بالفشل. بدلاً من ذلك، أنت تشرع في تطبيق استراتيجيات عبقرية مستوحاة من “نظرية الحصان الميت”.
المرحلة الأولى: الإنكار الجمالي وتغيير الديكور
قبل أن نعترف بأي شيء، لنجعل المشهد يبدو أفضل. هل يبدو الحصان باهتًا؟ لنأتِ له بسرجٍ جلديٍ فاخر! ربما المشكلة في الجوع؟ لنضع أمامه أفضل أنواع العلف والشعير. قد لا يأكل، لكن النوايا هي المهمة. الآن يبدو الحصان الميت أنيقًا ومكتفيًا غذائيًا، وهذا هو التقدم بحد ذاته.
المرحلة الثانية: إلقاء اللوم على العنصر البشري
إذا لم تنجح التحسينات الجمالية، فمن الواضح أن المشكلة ليست في الحصان، بل في من حوله. الحل؟ نغير الفارس!
بالتأكيد الفارس السابق كان يفتقر الخبرة الكافية لإقناع حصان ميت بالنهوض. وإذا لم يفلح ذلك، فسنقوم بعزل الموظف المسؤول عن رعايته، فهو بالتأكيد من تسبب في “انخفاض معنويات” الحصان. فلنأتي بفريق جديد، بروح جديدة، ليقود نفس الحصان الذي لا يتنفس.
المرحلة الثالثة: البيروقراطية في أبهى صورها
هنا يبدأ الكرنفال الحقيقي. لقد فشلت الحلول السريعة، إذاً حان وقت الغوص في أعماق المشكلة.
- نعقد اجتماعات طارئة لمناقشة “سبل زيادة سرعة الحصان” و”تحسين أدائه”. تمتلئ القاعة بالرسوم البيانية والعروض التقديمية التي تقارن سرعته الحالية (صفر) بسرعته السابقة.
- نشكل لجنة عليا لدراسة ظاهرة “الخمول المفاجئ لدى الخيول”. تعمل اللجنة لشهور، تسافر وتجتمع، وتستهلك ميزانية تفوق سعر عشرة أحصنة حية.
- بعد جهد جهيد، ترفع اللجنة تقريرًا من 300 صفحة، مليئة بالخرائط الذهنية والجداول، نتيجته النهائية هي: “ لقد أظهرت المؤشرات الحيوية توقفًا تامًا في وظائف الكائن الحي قيد الدراسة”
المرحلة الرابعة: ما بعد الحقيقة
هل انتهى الأمر؟ هل نعترف الآن؟
- المكابرة والمقارنة: بدلًا من إعلان الوفاة، نقوم بعمل “دراسة مقارنة” مع أحصنة ميتة أخرى في المنطقة. ونعلن بفخر: “حصاننا الميت هو الأفضل أداءً بين منافسيه الموتى!”.
- التدريب والتطوير: نعلن أن الحصان ليس ميتًا، بل “يفتقر إلى التدريب الحديث”. الحل؟ نخصص له ميزانية ضخمة لدورة تدريبية مكثفة في “النهوض من الكبوات”.
- إعادة تعريف الواقع: في الخطوة الأخيرة من العبقرية، وبدلاً من تغيير الوضع، نغير اللغة. نعيد تعريف كلمة “ميت” لتصبح “في حالة استراحة أبدية” أو “مستقر أفقيًا” أو “حصان ذو إمكانات حركية كامنة”. وبهذا، لم يعد لدينا حصان ميت، بل “أصل ثابت غير متحرك”.
المغزى الأخير من هذه الملحمة الساخرة هو أننا كبشر، نميل أحيانًا إلى استثمار وقت وجهد وموارد لا حدود لها في مشكلة حلها بسيط ومؤلم، فقط لتجنب الاعتراف بالحقيقة الواضحة: لقد مات الحصان، وحان وقت النزول والبحث عن وسيلة نقل أخرى، مشروع فشل لنغلقه ونبحث بأسباب الفشل والبدء من جديد بمشروع أكثر ملائمة للسوق المتغير، وظيفة تكافح بها لظنك أنها الملاذ وأمامك فرص تطويرية لتغير من مسارك المهني لمكانة وشركة أفضل.
طبيعتنا البشرية وخصوصاً في البلاد العربية لا تؤمن بالفشل ليس من باب المثابرة ولكن من باب الخجل بالاعتراف بالفشل أو الخسارة والسعي دائماً للوصول بمشاريعهم للاستمرار سنوات وسنوات متناسين أن السوق اليوم هو سوق المتغيرات من كافة النواحي التشريعية، الاقتصادية، البشرية الاجتماعية، التقنية، القانونية والبيئية.
هل مررت بتلك التجربة من قبل؟ هل دفنت حصانك الميت وبحثت عن حصان جديد؟ أم أنك مازلت تسعى لإعادة الروح لحصانك الفاني عسى ولعل أن يعود حصاناً مجنحاً بأوهام لا مكان لها في الواقع الحقيقي.