إزاء التحول الذي حدث مؤخرًا، على صعيد بنية ممارسات الأعمال وهو اعتماد العمل عن بعد، وهو التحول الذي كان قد بدأ قبل جائحة كورونا، ولكنها أسهمت في تسريع وتائره ومعدلاته، تظهر التقنية كأنها طوق نجاة حقيقي.
ذلك لأن الكثير من المؤسسات والشركات لم يكن في مقدورها النهوض بأدوارها ومشاريعها، والاستمرار في عملياتها ووظائفها المختلفة من دون معونة الأدوات التقنية المختلفة.
وليس الأمر قاصرًا على استخدام التقنية في تسيير العمليات الداخلية أو إدارة الموظفين فحسب، وإنما طالت المسألة أيضًا فكرة التوظيف في حد ذاتها، فأمسى هناك توجهًا جديدًا هو التوظيف عن بعد.
وبالنظر إلى الأوضاع الراهنة _ الوباء والذهاب إلى فكرة العمل عن بعد بشكل أساسي _ يمكن القول إن التوظيف عن بعد أمسى ضرورة محتمة؛ خاصة إذا كانت الشركة راغبة في استقطاب المواهب من كل أنحاء العالم؛ ذلك لأن التوظيف عن بُعد يفتح لك مجال التوظيف من أي بلد.
ولذلك هناك العديد من الشركات التي أمست العديد من الشركات تعمل عن بعد بنسبة 100%، ومن هذه الشركات نذكر: Buffer وDoist وGitLab وGroove وInVision وAutomattic وZapier والعديد من الشركات الأخرى.
وعلى المستوى العربي عملت بعض الشركات ليس على اعتماد العمل عن بعد فحسب، وإنما على إطلاق مواقع تعنى بالتوظيف عن بعد، ومن هذه الشركات شركة حسوب التي أطلقت، قبل مدة، موقع بعيد الخاص بالتوظيف عن بعد.
التطلع إلى العمل عن بعد
وعلى الرغم من أن تجربة العمل عن بعد تبدو حديثة إلى حد ما، رغم أن هناك شركات كانت قد اعتمدت هذه التجربة قبل الجائحة وإن على نحو جزئي، إلا أن الرغبة في العمل عن بعد تبدو قديمة إلى حد ما.
فقد كشفت إحدى الدراسات، التي أجرتها International Workplace Group في عام 2019، أن 80% من الموظفين المحتملين إذا أتيحت لهم الفرصة بين وظائف متشابهة، سيختارون الوظيفة التي توفر خيارات عمل مرنة مثل العمل عن بعد.
كما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة غالوب يعود إلى عام 2017 أن 43% من القوى العاملة كانت تعمل بالفعل من المنزل بدوام جزئي على الأقل.
أهمية التوظيف عن بعد
صحيح أن التوظيف عن بُعد للمرشحين لم يكن، أبدًا، الخيار الأساسي لأصحاب العمل، ومع ذلك، فإنه يفتح ثروة من الفرص لمدراء الموارد البشرية الذين يبحثون عن أفضل المرشحين المحتملين في مجالاتهم.
ويمكن للشركات اليوم الحصول على وصول فوري إلى مجموعة غير محدودة تقريبًا من المواهب من جميع أنحاء العالم باستخدام التوظيف عن بُعد. لم تعد أبعد بقاع العالم حواجز أمام مسؤولي التوظيف الذين لديهم الآن طريقة سهلة للوصول إلى المرشحين وفحصهم.
وعلاوة على ذلك، فإن هناك شركات يمكنها تسهيل عملية تعيين فريق بعيد. بفضل الإنترنت، لم يعد التوظيف عن بُعد أمرًا جديدًا ولكنه ضرورة للشركات التي ترغب في التوسع ودخول أسواق جديدة.
ما هو التوظيف عن بعد؟
كما يوحي اسمه، فإن التوظيف عن بُعد هو عملية فرز المرشحين وإجراء المقابلات وتوظيفهم عن بُعد دون الحاجة إلى مقابلتهم شخصيًا.
ويمكن لأحدث التقنيات والأدوات المتاحة على نطاق واسع تسهيل هذه العملية. على سبيل المثال، تعد Zoom وSkype وGoogle Meet عددًا قليلاً من الأدوات الشائعة الاستخدام بين الشركات التي توظف بنشاط الموارد عن بُعد في جميع أنحاء العالم. ناهيك عن أن هناك مواقع الآن صارت متخصصة حصرًا في التوظيف عن بعد كما أشرنا من قبل إلى موقع بعيد، وهو أكبر موقع توظيف عن بعد في العالم العربي.
وتختلف جهات التوظيف عن بُعد عن جهات التوظيف التقليدية؛ نظرًا لعدم وجود حدود جغرافية لدى القائمين على التوظيف عن بعد عند البحث عن مرشحين يسمح لهم بزيادة مجموعة المواهب لديهم.
ووفقًا لاستطلاع The Future of Work الذي أجرته شركة Cielo، تبنت فرق الاستحواذ وإدارة الموارد البشرية ممارسات التوظيف عن بُعد، بطرق مختلفة:
59 % منهم أجروا مقابلات مع المرشحين عبر الفيديو.
65 % يمددون العروض دون مقابلة المرشحين شخصيًا.
ولعل السبب الرئيسي في الإقبال على التوظيف عن بعد في كونه لا يفيد أرباب العمل فحسب، بل يفيد الموظفين أيضًا؛ إذ يريد الناس مواصلة العمل عن بعد حتى بعد الوباء؛ فوفقًا لمسح FlexJobs، يفضل 65% وظيفة بدوام كامل عن بعد بعد الجائحة، و31% يرغبون في ترتيب عمل مختلط، أي ما بين العمل من المكتب أو العمل عن بعد/ بشكل افتراضي.
تقنيات الموارد البشرية HR Tech
ومن المنطقي أن يؤدي انتشار التوظيف عن بعد إلى بزوغ وازدهار ما يسمى بـ «تقنيات الموارد البشرية» أو الـ HR Tech؛ إذ لا بد من وجود أدوات تقنية تساعد على إتمام عملية التوظيف عن بعد على النحو الأمثل وبشكل سلس أيضًا.
ويحقق مجال الـ HR Tech إيرادات تصل إلى 47.4 مليار دولار أمريكي سنويًا.
يتركز معظم سوق تقنيات الموارد البشرية في بعض الشركات الرائدة مثل ADP، وهي شركة لإدارة شؤون الموظفين والرواتب، وغيرها، ومع ذلك، تكتسب الشركات الناشئة عائدات أكبر، مثل شركة التعلم والتطوير Udemy.
إن انتقال الموظفين إلى العمل عن بعد يوفّر فرصة لتقنية الموارد البشرية للمساعدة على التواصل والتعاون وإشراك العمال عن بُعد والاعتراف بهم وتطوير الموظفين.
وليس سرًا أن العديد من الشركات تعمل الآن على توسيع نماذج أعمالها الحالية، والاستعداد لتوسيع نطاق منتجاتها ومنصاتها لاستيعاب التحول إلى العمل عن بُعد. في الوقت نفسه، تحرز الشركات الناشئة تقدمًا في السوق، غالبًا بمنتجات ذات توجه مركز، وجمهور محدد بدقة.