لعبت وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، وفي القلب منه منطقتنا العربية، دورا بارزا خلال العقد الأخير في تحطيم العديد من التابوهات، إلا أن الحديث عن الجنس يظل في بلادنا من “المحذورات” الذي لا يمكن الاشتباك مع موضوعاته الشائكة بأريحية.
فالشهوة، والطرق المختلفة للوصول للنشوة، والحميمية، والهوية، والتفضيلات المختلفة، وغيرها من الموضوعات الجنسية الأخرى، دائما ما يلازمها الصمت تارة والتحفظ تارة أخرى، إذ يرفض الكثيرون الحديث عنها علانية بحج واهية، تتعلق بالأديان والتمسك بالتقاليد والأعراف، وحفظ “عفة المجتمع”، على الرغم من أن هؤلاء أنفسهم قد يلجأون في الخفاء لمصادر غير دقيقة أو موثوقة مما يخلق بيئة خصبة لانتشار المعلومات الخاطئة عن الجنس، ومنها تحدث كل أزمات ومشكلات “غرف النوم”.
لا أقول إن هذا “نفاق” لا سمح الله، لكنها حاجة الإنسان الملحة لفهم نفسه واحتياجاته بحثا عن حياة أكثر سعادة. فكم منا يعاني في تيه الظلام وخيبة الأمل، وكم من غرف نوم تخيم عليها التعاسة منذ زمن، بينما السعادة على مرمى حجر، والفرح قد يزورها في لمح البصر، لو أدركنا فقط أننا لسنا وحدنا في مواجهة هذه التحديات، وأن حلولها قد تكون أسهل مما نتخيل لو توفرت المعرفة أو تدخل المختصين في الوقت المناسب.
ولست خبيرا أكاديميا في هذا المجال، لكنني من المهتمين بفهم نفسي وطبيعتي الفسيولوجية، ويُؤسفني أن يبحر الكثيرون في رحلة الحياة الجنسية دون معرفة كيفية توجيه دفة “السفينة” لتصل إلى “مرساها”، مما يُفضي بهم إلى الغرق على شاطئ الإحباط أو الاكتفاء بما دون قدراتهم.
وتكشف الدراسات الجنسية، التي ينشر المئات منها يوميا، عن حقائق قد تبدو صادمة للبعض، لكنها تُؤكّد على الحاجة المُلحة لتعزيز المعرفة والوعي حول الجنس في عالمنا العربي، وهي الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحدا بالعلم.
إحدى هذه الدراسات التي لفتت نظري مؤخراً، تشير نتائجها إلى أن 30 % من بين شباب الدول العربية التي تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 30 عاما يعانون من مشكلات “الضعف الجنسي”، والتي ترجع أسبابها في الأساس إلى الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية، والخوف من الفشل، والتوقعات الجنسية غير الواقعية.
لذلك، ليس من المستغرب أن تُشير دراسة أخرى عُرضت في المؤتمر العالمي لصحة الرجل في فرنسا، إلى أن العرب ينفقون حوالي 10 مليارات دولار سنويا لشراء المنشطات الجنسية، حيث تُوزّع هذه النفقات بين 1.5 مليار دولار في السعودية، مليار دولار في ليبيا، ومثلها في سوريا، وكذلك مصر، ونصف مليار دولار في الأردن، و 5 مليارات أخرى في باقي الدول العربية.
وتشير هذه الأرقام التي لا تشمل الأوقية الذكرية أو الأنثوية أو وسائل الحماية الجنسية الأخرى أو المزلقات، إلى ظاهرة خطيرة تتمثل في اتّجاه عدد كبير من الأشخاص إلى المنشطات الجنسية دون تشخيص، رغم عدم حاجتهم لها من الأساس، كتناول البعض أدوية الانتصاب دون وصف الطبيب، ما قد يدمر حياتهم الجنسية على المدى الطويل.
ما سبق، تؤكده دراسة أخرى، وجدت نتائجها أن 20 % من الشباب حول العالم ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 30 عاما يستخدمون أدوية الانتصاب أو غيرها من المنشطات الجنسية بانتظام. وقد يخيل للبعض للوهلة الأولى أنها نسبة قليلة، لكن الصدمة تكمن في أن 96 % من هؤلاء الشباب يحصلون على تلك الأدوية دون تشخيص طبي ورغم معرفتهم بالمخاطر المحتملة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن 20 % منهم لا يعانون أي مشاكل جنسية من الأساس، وإنما يقومون بتجربة تلك الأدوية بغرض المغامرة أو بناءً على نصائح من الأصدقاء.
وبانتقال دفة الحديث عن الطرف الآخر للعلاقة الجنسية: “المرأة”، تزداد الأمور تعقيداً، إذ تخلف القيود المفروضة بشكل عام على المرأة في مجتمعاتنا، وفيما يخص رغباتها الجنسية على وجه التحديد، الجهل بحاجتها وسبل سعادتها، فتعيش وتموت دون أن تدرك أسرار متعتها. وبالتالي لا يدركها شريكها هو الآخر، فيعجز عن تلبية متطلباتها.
وفي دراسة تبعث نتائجها على الحزن الشديد، فإن 40 % من النساء حول العالم يعيشن دون أن يكتشفن أجسادهن إلى أن يتوفاهن الله. لا تعرف أيا منهن أماكن إثارتها، لا تملك تفضيلا لجزء في جسدها تحب مداعبته أكثر من الآخر، بل أنهن يجهلن بشكل المهبل والفرج، لا يستطعن التفريق بين الشفرين الكبيرين أو الصغيرين، وإن سألنا إحداهن “أين يوجد البظر”، ربما ستستوضح إذا ما كنا نقصد “الجزر” أم “القمر”، رغم أن بعضهن متزوجات ويمارس أزواجهن الجنس معهن بانتظام.
ولأجل ما سبق، فمن المنطقي أن تجد نتائج إحدى الدراسات غير الحديثة، أن 25% من النساء يفشلن في بلوغ النشوة طوال حياتهن، حتى مع وجود العلاقات الجنسية، إذ يكتفين بلعب دور “المتلقي” دون التركيز على متعتهن الشخصية، وكأن العملية الجنسية عملية أحادية غير تشاركية، ليس من أهدافها الرئيسية تحقيق السعادة لكلا الطرفين.
وعلى كلٍ، لسنا في موضع للحديث عن النشوة الأنثوية التي يطول الحديث عنها وعن طرق بلوغها، لكني استعرض رقما ربما يضيء لنا دروبا لممارسات جنسية مختلفة تريح الرجل من ضغط شعوره بالإحباط لعدم تزامن بلوغ شريكته النشوة أثناء وصوله لمرحلة القذف، وتريح المرأة من شعورها بالنقص حال لم تتمكن من بلوغ النشوة أثناء الإدخال، حيث وجدت دراسة أن نحو 20 % فقط من النساء حول العالم هن من يستطعن الوصول للنشوة من الإيلاج المهبلي، في حين قد ترتفع هذه النسبة إلى 70 % إذا كان هناك تحفيز للبظر أثناء عملية الإدخال، والذي يجهل مكانه 44 % من الرجال، في حين لا تستطع 30 % من النساء أنفسهم تحديده.
فإدراك الرجال والذي تشير الإحصائيات إلى أن 90 % منهم يستطيعون بلوغ النشوة من الإدخال فقط، أن 65 % من النساء يبلغن النشوة من خلال الممارسات الجنسية الأخرى غير الإيلاج المهبلي، كالمداعبات أو الجنس الفموي أو التفاعل مع الشريك قد يحل المعضلة سالفة الذكر
وختاما، وبعد أن تطرقنا لبعض الأرقام من الدراسات الجنسية التي قد تكون مفاجئة للبعض وصادمة للبعض الآخر، نكون قد فتحنا الباب فقط على عالمٍ واسعٍ من المعرفة، نغوص خلال بقية هذه السلسلة من المقالات بعمقٍ أكبر في هذه الدراسات، ونناقش مختلف جوانبها، ونستعرض نتائجها وتأثيراتها على حياتنا.