اكتئاب ما بعد الولادة: الأسباب، الأعراض، وطرق العلاج الفعّالة
اعتدنا أن تترافق ولادة طفل جديد في العائلة مع مشاعر الفرح والسعادة والإلفة. لكن تحدث الصدمة الحقيقية عند الأم حين تختفي هذه المشاعر جميعها ويطغى عليها مشاعر أخرى تماماً يتصدرها الحزن. لتجد نفسها أمام اضطراب يدعى اكتئاب ما بعد الولادة (PPD).
▎ مفهوم اكتئاب ما بعد الولادة
اكتئاب ما بعد الولادة هو اضطراب نفسي يحدث بعد ولادة الطفل ويستمر لأكثر من أسبوعين وقد يمتد حتى عدة أشهر. لذلك، لابد من التمييز بينه وبين اكتئاب النفاس، وهو اضطراب نفسي يشترك بعديد الأعراض مع اكتئاب ما بعد الولادة (تقلبات المزاج، نوبات بكاء، قلق واضطرابات النوم)، ولكن اكتئاب النفاس يستمر عدة أيام حتى أسبوعين على الأكثر ثم يتلاشى تلقائياً.
▎ الأسباب
كشفت الدراسات أن اكتئاب ما بعد الولادة يرتبط بأسباب هرمونية، بيئية، أو حتى وراثية، ونذكر منها:
1. التغيرات الهرمونية: الهبوط الحاد والمفاجئ لهرموني الاستروجين والبروجسترون بعد الولادة يعتبر سبباً هاماً، بالإضافة إلى نقص مستويات الهرمون الدرقي.
2. الضغط النفسي: رحلة الحمل والولادة هي رحلة شاقة وطويلة، تواجه فيها الأمهات ضغوطاً نفسية هائلة نظراً للتغيرات المستمرة في روتين حياتهن اليومية.
3. التاريخ الشخصي: يرتبط فيما إذا عانت الأم من تاريخ سابق من الاكتئاب أو القلق، أو كانت الولادة صعبة أو مؤلمة عليها، أو لديها تاريخ سابق مع اكتئاب ما بعد الولادة في ولاداتها السابقة.
4. الدعم الاجتماعي: نقص الدعم من الشريك أو العائلة يمكن أن يزيد من مشاعر الحزن والقلق لديها.
5. التغيرات الجسدية: تغيرات الجسم بعد الحمل والولادة قد تزعزع الثقة بالنفس وتغير نظرة الأم تجاه نفسها.
▎ الأعراض
تتعدد أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بين خفيفة وشديدة، ومن بينها:
• مشاعر الحزن أو تقلبات المزاج.
• عدم الاستمتاع بممارسة الأنشطة التي كانت ممتعة سابقاً.
• الوهن الشديد مع اضطراب النوم.
• الانسحاب من تجمعات العائلة والأصدقاء.
• فقدان الشهية وعدم التفكير بشكل صحيح ومنطقي.
• جلد الذات والشعور بالذنب.
• صعوبة الارتباط مع الطفل وخلق علاقة حب وإلفة معه.
• التفكير في إيذاء النفس أو الطفل (وفي هذه الحالة يجب طلب المساعدة الفورية).
▎ التشخيص
50% من حالات اكتئاب ما بعد الولادة لا يتم تشخيصها بسبب خوف الأمهات من عدم تفهّم محطيها لها، ونقص تقديم الدعم والمساعدة بعد إفصاحها عن أعراضها ومشاعرها. لذلك، من الضروري رفع الوعي المجتمعي حول هذا الاضطراب، والتأكيد على أن يكون فحص اكتئاب ما بعد الولادة (وهو مجموعة اختبارات ومقاييس لمعرفة الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة) إجراءً روتينياً من إجراءات ما بعد الولادة.
▎ العلاج
يتوفر عدة خيارات لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة، منها:
1. العلاج النفسي: وأكثَرُها فعالية العلاج السلوكي المعرفي (CBT). يساعد الأمهات على خلق أنماط تفكير جديدة وتخفيف القلق والتوتر.
2. الأدوية: قد يوصي الأطباء في حالات معينة باستخدام مضادات الاكتئاب، لكن من الضروري أن تكون تحت إشراف طبي.
3. الدعم الاجتماعي: مثل التواجد في مجموعات دعم الأمهات، حيث يتشاركن ذات المشاعر ويتفهمن بعضهن بشكل أفضل.
4. التغذية الجيدة والاهتمام بالذات: حيث يُعتقد أن طعاماً مغذياً مع ترفيه الأم لنفسها بما يروق لها يلعب دور هام في العلاج.
5. التواصل مع الشريك: التواصل الفعال المتضمن صدق المشاعر وتقبل وتفهم الآخر يساهم بشكل إيجابي في تخطي هذه المرحلة.
▎ الخاتمة
اكتئاب ما بعد الولادة هو اضطراب شائع قد تتعرض له جميع الأمهات ولا سيّما الجدد منهن. من الضروري تكوين صورة واضحة عنه وعن أعراضه وعلاجه قبل حصوله من أجل التعامل الصحيح معه من قبل الأم ومحيطها أيضاً. لا داعٍ لشعور الأمهات بالخجل أو العار من أن تطلب المساعدة. صحة الأم النفسية تنعكس بشكل مباشر على صحة الطفل ونموه العاطفي.
▎ المصادر :
mayoclinic.org
womenshealth.gov
www.ncbi.nlm.nih.gov