كسر الصور النمطية في بيئة العمل متعددة الأجيال: تجربة Pitney Bowes
✍️ بقلم: ندى نصري – مستشارة مالية واستراتيجية
عندما نتحدث عن التمييز في بيئة العمل، غالبًا ما يتبادر إلى الذهن التمييز القائم على الجنس أو العرق أو الدين. لكن هناك نوعًا آخر من التحيز يصعب ملاحظته: التمييز القائم على العمر. شركة Pitney Bowes، التي تأسست عام 1920، واجهت هذا التحدي بشكل مباشر.
مع تسارع التحول الرقمي، أصبح دمج الأجيال المختلفة في بيئة واحدة أمرًا ضروريًا. بدلاً من التعامل مع فرق العمل متعددة الأعمار كمصدر توتر، اعتمدت الشركة مقاربة عكسية: التوجيه العكسي. في هذا النموذج، يشارك موظفون شباب في جلسات منتظمة مع قادة تنفيذيين ذوي خبرة طويلة، حيث يتبادلون الأفكار والخبرات بعيدًا عن أي تسلسل هرمي تقليدي.
الهدف لم يكن تعليم جيل على حساب الآخر، بل كسر الصور النمطية المتبادلة: “الكبار لا يجيدون التكنولوجيا” أو “الشباب غير منضبطين”. من خلال هذا النهج، أصبح كل جيل ينظر للآخر على أساس ما يقدّمه فعليًا، لا على أساس العمر.
ما حققته الشركة كان لافتًا. ارتفعت مستويات التواصل، وتراجعت حدة الصراعات الداخلية، وتحسنت بيئة العمل. كما ساعد النهج في رفع معدلات الاحتفاظ بالموظفين، لأن الجميع شعر بأن له قيمة ودورًا مهمًا ومساهمات مؤثرة.
اليوم، تضم القوى العاملة خمس فئات عمرية مختلفة. تجاهل هذا التنوع يعني تجاهل فرص ابتكار وتكامل لا تعوض. الإدارة الذكية لا توزع الأدوار بناءً على الجيل، بل وفقًا لقدرات الأفراد.
🔹 الكفاءة لا ترتبط بالعمر، بل بالقدرة على التأثير والإضافة النوعية.
🔹 القيادة الحقيقية تنجح عندما تستثمر الفروقات بدل مقاومتها مستفيدة من مزيج الخبرة والابتكار.
🔹 الخبرة والابتكار وجهان لعملة واحدة عند دمجهما ضمن ثقافة عمل مرنة تشجع على التعاون المستمر.
🔹بناء فرق عمل متعددة الأجيال يعزز من الإبداع ويخلق بيئة تحفز على التطور الشخصي والمهني لكل موظف.
بصفتي مستشارة مالية واستراتيجية، أرى أن أكبر أصل في الشركات هو تنوع عقولها. النمو الحقيقي لا ينبع فقط من الأرقام والمؤشرات المالية، بل من كيفية توظيف المهارات المتعددة المتاحة داخل الفريق، بغض النظر عن الفئة العمرية.
الشركات التي تنجح في بناء بيئة متعددة الأجيال تحقق أكثر من مجرد انسجام… إنها تبني منصة إنتاجية قائمة على الاحترام والتكامل والمساهمة الفعلية من الجميع.
النجاح لا يرتبط بجيل دون آخر، بل بشركة تعرف كيف تستثمر كل جيل في المكان الصحيح، لتعزيز قدرتها التنافسية واستدامة نموها في بيئة متغيرة ومتطورة باستمرار.