موسم الرمان والخريف بين الجبال والذاكرة

من وادي الشعراء إلى بساتين الرمان، تعيد حلبجة تعريف علاقتها بالطبيعة والإنسان

هناك في كوردستان العراق، حيث تتعانق جبال هورامان وبالامبو، تمتد حلبجة كواحة من الضوء والخصب، مدينة تعيد بناء ذاتها بين الذاكرة والرجاء. تتلألأ بساتينها على سفوح الجبال، وتفيض ينابيعها نحو سهل شهرزور، في مشهدٍ يجمع بين جمال الطبيعة ودفء التجربة الإنسانية.

ثمرة الحياة

ليس الرمان في حلبجة مجرد فاكهة موسمية، بل جزء من هوية المكان. تُفتح ثماره الحمراء في نهاية الخريف كأنها قلوب صغيرة مليئة بالحياة. يحرص المزارعون على حصاده بعنايةٍ تليق بفاكهةٍ ترمز إلى الصبر والازدهار.
تقول إحدى المزارعات في قرية خورمال: “نزرع الرمان كما نزرع الأمل. نمنحه الماء، ونترك للشمس أن تكمل القصيدة.

تشتهر تربة حلبجة الغنية بالكالسيوم بمنح الرمان حلاوة متوازنة ونكهة فريدة. وتنتشر في سفوحها الزراعات التقليدية الأخرى: الزيتون، والعنب، والتين، والحبوب، لتكوّن لوحة موسمية تفيض بالألوان والعطاء.

خريفٌ كرديّ وأغنية الأرض

في الخريف، تتحول حلبجة إلى مشهد من دفء الطبيعة الكردية. تتبدل ألوان الأشجار من الأخضر إلى الذهبي، وتملأ رائحة التربة الرطبة الطرقات القديمة المؤدية إلى القرى الحجرية.
في بيارة وطويلة، حيث يتحدث الناس باللهجة الهورامية التي كانت لغة الشعر الصوفي، تُروى قصص عن مولوي ونالي وغوران، شعراء جعلوا من الجبال مسرحًا للتأمل، ومن الحب طريقًا للفهم.

تحتفظ المنطقة بروحها الصوفية القديمة. الزائر يجد في مزاراتها ومراقدها مكانًا للتأمل أكثر من العبادة، حيث تمتزج الروحانية بالبساطة اليومية. وفي كل قرية، يظل الذكر والأغاني والآلات التقليدية مثل التنبور صدىً لذاكرةٍ جماعيةٍ لا تنطفئ.

من الألم إلى التجدد

عرفت حلبجة، كما يعرفها التاريخ، كمكانٍ شهد الألم، لكنها اليوم تروي قصة مختلفة. بعد عقود من الفقد، أصبحت المدينة رمزًا للتحول، حيث يتعلم الناس كيف يُعيدون زراعة الحياة في أرضٍ اختبرت الحروب.
في حديث مع أحد المعلمين المحليين، يقول: “تعلمنا أن نزرع الشجر في الأماكن التي سقط فيها الرماد. هذا هو معنى الاستدامة الحقيقي.”

بيئة تنبض بالحكمة القديمة

تحتضن الجبال المحيطة بحلبجة مشاريع صغيرة للزراعة العضوية، وتربية النحل، وتقطير الأعشاب الطبية. تُدار معظمها من قبل عائلات محلية تعتمد على المعرفة التقليدية أكثر من الآلات الحديثة، ما يجعلها نموذجًا حيًا للانسجام بين الإنسان والبيئة.
حتى الحرف اليدوية – من حياكة “الفرنجي” إلى صناعة أحذية “الكلاش” القطنية – تُمارس بأساليب تراعي البيئة وتعيد تدوير المواد الطبيعية.

الاستدامة كقيمة اجتماعية

لم تعد مفاهيم “الزراعة الخضراء” أو “الاستهلاك المسؤول” شعارات غربية غريبة عن كردستان. في حلبجة، تتجسد هذه الأفكار بشكلٍ طبيعي في نمط الحياة اليومية: من استخدام الأواني الخشبية بدل البلاستيك في الأسواق، إلى إعادة استخدام مياه الينابيع لري البساتين.
إنها فلسفة عيش أكثر منها مشروعًا بيئيًا — احترام للأرض ككائن حيّ يتقاسم معهم الخبز والمطر.

في الفترة من 30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 2025، ستستضيف المدينة مهرجان حلبجة للرمان والخريف الحادي عشر، وهو احتفال يجمع المزارعين والفنانين و الزوار والدبلوماسيين تحت فاكهة قرمزية ترمز إلى الحياة نفسها. بتنظيم مشترك من محافظة حلبجة، ومديريتي الزراعة والسياحة، ومنظمة شبكة حلبجة، تطور المهرجان من مجرد معرض محلي متواضع إلى أكثر فعاليات السياحة الزراعية تأثيرًا في العراق، ونموذجًا حيًا للشراكة الشعبية والحكومية الفاعلة.

رؤية خضراء تتماشى مع الأهداف العالمية

يُعتبر مهرجان حلبجة الأخضر لعام 2025 أول فعالية ثقافية خالية من البلاستيك في الاقلیم العراق. سيُستخدم في كل مكون، من اللافتات وتغليف البائعين إلى هدايا الضيوف، مواد قابلة للتحلل الحيوي أو مُعاد تدويرها. تُمكّن الشراكات مع مؤسسات إقليم كردستان والمنظمات غير الحكومية في حملة الاستدامة الإنتاج المحلي للأكياس الورقية والقماشية، وأدوات الخيزران، والحاويات القابلة لإعادة الاستخدام لتحل محل البلاستيك أحادي الاستخدام.

yes
no

لقد ساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة هذا المقال

اختار المشارك أن يبقى مجهولًا.

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.