الصيام .. أعجوبة صحية

نحن نملك كنزًا من الصحة دون أن نعرف.. كيف ذلك؟

بات الصيام المتقطع مؤخرًا صيحة العصر. حدث هذا بعد أن أصبحت الدراسات تُجرى على الصيام أكثر فأكثر، وعندها بدأنا ندرك كمية الأسرار المخبأة خلف هذا السلوك الغذائي، ونعي الفوائد البدنية والعقلية التي يعود بها علينا. إننا حين نصوم تعبدًا لا نكسب الأجر الجزيل على عبادتنا فحسب، بل نعيد ضبط ساعتنا التغذوية ونقدم لجدسنا هدية من العافية. إن ما يمتلكه الصيام من فوائد على الصحة يمنحه بجدارة لقب الأعجوبة الصحية. في هذا المقال سنتعرف سوية على ما يحدث لجسدنا عندما نصوم وكيف يعود ذلك علينا بالفوائد الجمة، هيّا بنا..

ما هو الصيام المتقطع؟

يعني الصيام المتقطع أن تمتنع عن الطعام لفترة من الزمن تتراوح بين 16  و 18 ساعة، ما يمنحك فترة 8 أو 6 ساعات متبقية للاستمتاع بالأكل، ما يجعل صيامنا في رمضان مثالًا مدرسيًا لهذه الطريقة في الصيام. هناك طرق أخرى تقترح الامتناع عن الطعام ليوم كامل (24 ساعة) ثم الأكل بشكل عادي في اليوم التالي، إلا أن معظم الدراسات التي أجريت كانت على نمط الصيام المطابق لصومنا في رمضان.

تعالوا الآن نتعرف على ما يحدث في جسدنا خلال الصوم، وما يخبئه كنز الصيام من جواهر صحية..

الجواهر المكنونة للصيام:

 

       I.          تخفيض الوزن: والمسألة هنا ليست مرتبطة فقط بانخفاض كمية السعرات الحرارية المتناولة مقارنة بالمعتاد، وإنما بتحفيز الجسد على حرق الدهون المخزنة لديه أيضًا.  بعد فترة تتراوح بين 12 و 16 ساعة من الانقطاع عن تناول الطعام تكون مخازن السكر في الجسم قد استنفذت، ومن المعروف أن الجسم عادة يخزن الفائض من السكر على شكل جلايكوجين في العضلات والكبد. مع نفاذ مخازن السكر يتحول الجسد إلى نمط آخر من الاستقلاب يُدعى بالاستقلاب الكيتوني، حيث تتحرر الهرمونات المحفزة لحرق الدهون. وكناتج لحرق الدهون تتشكل الأحماض الدهنية الكيتونية والتي يستخدمها الجسد كمصدر بديل للطاقة عوضًا عن السكر. ونسبةً لهذه الأحماض سُمّيت حمية الكيتو بهذا الاسم، وهي حمية تعتمد على حرمان الجسد من السكر ما يدفعه للدخول في الحالة الكيتونية بسرعة.

 

     II.          حين تفشل الحمية يثبت الصيام نفسه: عند القيام بأي نوع من الحميات الغذائية يتضمن التقنين في مدخول السعرات الحرارية يتوقف الوزن عن الانخفاض بعد فترة قصيرة نسبيًا من ممارسة الحمية، هذا لأن الجسد يدخل في حالة البقاء survival mode ويبدأ في تغيير نمط استقلابه بحيث يعمد إلى توفير القدر المستطاع من الطاقة. هذا الأمر لا يحدث في الصيام المتقطع (المتوافق تمامًا مع صيامنا في رمضان)، إذ أظهرت الأبحاث تفوّق الصيام على الحمية في تخفيف الوزن والمحافظة على هذه الخسارة على المدى الطويل نسبيًا.

   III.          الوقاية من داء السكري بنمطه الثاني: إن انخفاض السكر في الدم يتبعه انخفاض في مستوى الأنسولين، ما يؤدي لانخفاض احتمال تشكل مقاومة للأنسولين والوقاية من جميع تبعاتها غير المحمودة.

مقاومة الأنسولين مرتبطة بشكل مباشر بالمتلازمة الاستقلابية المتمثلة بالسمنة وداء السكر الثاني وارتفاع الدهون والكوليسترول وارتفاع الضغط

 

   IV.          زيادة الكتلة العضلية:
قد يبدو غريبًا أن الامتناع عن تناول الطعام قد يساهم في بناء عضلاتك، بيد أن السر يكمن في هرمون النمو HGH الذي يساهم الصيام في زيادة نسبته في الدم. قد يحصل خسارة لبعض البروتينات في محاولة من الجسم لإيجاد مصدر للطاقة، لكن جسمك لن يلجأ إلى العضلات أولًا وإنما إلى البروتينات المحيطية – المخزنة في الجلد مثلاً- وفي وجود مدخول بروتيني كافٍ ستضمن أن عضلاتك بخير، بل أنها ستشرع في بناء نفسها استجابة لهرمون النمو الذي يحفز الصيام زيادته.

    V.          دعم أداء الدماغ وتحفيز الوظائف المعرفية:
قد تتفاجأ أن الصيام يحفز زيادة في أحد البروتينات التي تدعم نمو الخلايا العصبية، إنه بروتين التغذية العصبي المشتق من الدماغ أو (BDNF) Brain-derived neurotrophic factor، يدعم هذا البروتين تشكيل الروابط العصبية  neurogenesis وله دور مهم في عملية النقل العصبوني synaptic transmission، وتعزيز الوظائف المعرفية في الدماغ، بل إن بعض الدراسات تتحدث عن فعاليته في تخفيف الألم والالتهاب.. لذا وأمام هذه الفوائد الجلة فلا عليك من الصداع الذي قد يحدث أول بضعة أيام من الصيام، سيزول هذا ما إن يتعود الدماغ على نمط التغذية الجديد.

 

 

   VI.          زيادة حساسية الدماغ لهرمون الشبع (اللّبتين (Leptin ويعد اللبتين الهرمون المسؤول عن الشبع، يُفرز من النسيج الشحمي، وتتوضع مستقبلاته في الدماغ. لدى البدناء يتم إفراز كميات كبيرة من اللبتين تناسبًا مع كمية النسيج الشحمي التي يمتلكونها، ما يدفع الدماغ لتشكيل مقاومة تجاه اللبتين، يتلوها انخفاض الشعور بالشبع والرغبة في مزيد من الطعام، وهذا يدفع بالشخص إلى الدخول في حلقة مفرغة من الأكل الفائض والرغبة في المزيد لانعدام الشعور بالشبع.

 VII.          تنظيم مستويات هرمون الجوع (الجريلين Ghrelin): يفرز هذا الهرمون من المعدة والأمعاء بشكل رئيسي، وهو يحفز الشعور بالجوع. صحيح أن خواء المعدة يحفز إفراز هذا الهرمون، إلا أن الدراسات وجدت أن إفرازه مرتبط بشكل أساسي بالمواعيد المعتادة لتناول الوجبة الغذائية. إن الصيام والامتناع عن تناول الطعام رغم زيادة مستوى هرمون الجريلين يكسر حلقة الارتفاع الدوري لهذا الهرمون ويجعلنا أكثر مقاومة لارتفاع منسوبه في الدم وأكثر قدرة على تجاهله. وجدت إحدى الدراسات أنه بعد ثلاثة أيام من الصيام المتقطع بدأت نسبة هرمون الجريلين بالانخفاض تدريجيًا، فبالرغم من أن المتوقع أن يصاب المرء بالجوع الشديد إلا أن ما يحصل هو عكس ذلك كليًا، إذ يومًا بعد يوم من الصيام ينخفض الشعور بالجوع.

ختامًا.. إذا أردنا أن نستثمر صيامنا بطريقة صحية فلنحاول أن نكتفي بالوجبة المعتادة، وألا نسرف في الطعام على مائدة الإفطار.. هكذا سنتمكن من نول الحصة الأكبر من جواهر الصيام الصحية.. ويبقى رمضان كريمًا على الدوام..

 

دمتم بصحة وعافية

وبالطبع تواقين لمزيد من المعرفة الشافية

 

د. عبادة الحمدان

طبيب جراح وروائي

 

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.