كان ذاك العنوان سؤالاً من عدة أسئلة طرحها أحد المشاركين في إحدى مساحات موقع “إكس” التي تتحدث عن شؤون الإدارة وكيفية تعاملها مع الموظفين، هل يجب أن يكون المدير لعوباً أم إنسانياً؟ وهل يجب أن يحبّ موظفيه ويحبونه؟ ومتى يجب على المدير أن يقبل زيادة راتب الموظف ومتى يرفضها؟.
تحمل تلك الأسئلة طابعاً جوهرياً شائعاً في أوساط العمل، وكثيراً ما تترك الإجابة عليها أثراً كبيراً لدى المتلقي/ الموظف قد تصل به أحياناً لاختيار الاستمرار بوظيفته أو تركها، فبعضهم لا يهمه الراتب الذي يتقاضاه بقدر اهتمامه بجودة المدير وإنسانيته، وذلك تلخّصه مقولة شائعة مفادها أن “الناس لا يغادرون وظائفهم ولكن يغادرون مدراءهم”.
والبعض الآخر لا يهمه المدير بقدر اهتمامه بالمرتب، وآخرون يفضلون البيئة المريحة، فالناس فيما يعشقون مذاهب، وللعمل نصيبٌ من ذلك العشق.
في هذا المقال سنستفيض بكل واحدٍ من تلك الأسئلة ونطرح رأياً حولها ونأمل أن يكون موضوعياً.
1- هل يجب أن يكون المدير لعوباً أم إنسانياً؟
عندما طُرح هذا السؤال في المساحة الصوتية تعددت الآراء، وذهب أحد الأصدقاء إلى ضرورة أن يكون المدير لعوباً حتى يتمكن من إدارة شؤون موظفيه، مشدداً على أهمية أن يخشى الموظف مديره لا أن يحبه.
وبدأ كل من الحضور الذين يعملون في مناصب إدارية في مختلف الشركات العربية والعالمية بالحديث عن أساليب إدارتهم لموظفيهم، فيروي أحدهم قصّة حزمه مع موظفيه وإنهائه لخدمات بعضهم، ويتحدث آخر عن الرحمة والتفهّم والمواقف البسيطة وأثرها الإيجابي في نفس المتلقي/ الموظف.
وبين صاحب السطوة وصاحب اللين، برز الضليع في اللغة ليعيب على السؤال لاحتوائه على كلمة “لعوب”، فتلك الكلمة في اللغة العربية كثيراً ما ارتبطت بالتصرفات غير الأخلاقية وغير الحميدة.
وكإجابة مباشرة على السؤال هل يجب أن يكون المدير لعوباً أم إنسانياً؟ أرى أنه لا بد من أن يكون المدير ضليعاً بأساليب الشخص اللعوب مطلعاً عليها ولكن لا يتصرف بها، فعند قيادة الفريق سيتعامل المدير مع الموظف النجيب والخلوق، وكذلك سيتعامل مع الموظف اللعوب والمتهرب، سيعمل معه من ينجز عمله ويحبه، ومن ينجز عمله ولا يحبه، ومن لا ينجز عمله، لذا الإجابة لا يجب أن يكون المدير لعوباً لكن يجب أن يكون مطلعاً على صفات الشخص اللعوب سواء كان موظفاً أو مديراً.
أما الشق الثاني من السؤال، فالإجابة عليه بكل تأكيد نعم، الموظف قبل كل شيء هو إنسان، ولا بد من التعامل معه بإنسانية سواء من قبل المدير أو الزميل أو المرؤوس، فالإنسانية في التعامل لا يصلح أن تكون محلاً للسؤال وإن كانت كذلك فإجابتها دائماً نعم للتعامل بإنسانية.
وهنا لا بد من التأكيد أن الاطلاع على أساليب “الشخص اللعوب” يجعل القرارات منطقية، فاللين والحزم بنات ساعاتها كما يقال، أي هناك مواقف تستدعي الحزم وأخرى تستدعي اللين، ومهمة المدير المتمكن أن يتعامل مع كل موقف بما يقتضيه، فيعلم متى يغض الطرف ومتى يطرح الأسئلة ومتى يتخذ الإجراءات ومتى ينبغي له أن يكون إنسانياً، والإنسانية لا تحتاج لاطلاع فهي متأصلة بكل إنسان تخلق معه وإن استخدمها جيداً تبقى خالدة بعد مماته.
2- هل يجب أن يحبّ المدير موظفيه ويحبوه؟
أما بالنسبة للسؤال الثاني، في العمل هناك مكان للحب وتفضيل زميل على آخر وتفضيل موظف على آخر بلا شك، وإن كانت الأساطير الأكاديمية تخبرنا بأن مشاعر المدراء واحدة تجاه موظفيهم، لكن الواقع يثبت خلاف ذلك.
من الضروري أن يسيطر المدير بوصفه إنساناً أولاً على مشاعره، ومن المتفق عليه أن إبداء مشاعر الحب أمرٌ حميد ولكن إبداء المشاعر المعاكسة أمرٌ منبوذ، وبالتأكيد لن يقع فيه أي مدير يعي ما يفعله، ولكن المطلوب من المدير إن لم يظهر الحب ألا يظهر ما هو عكسه وإن كان لم يصل لمرحلة الكره.
ويحضرني هنا ما قاله الأعرابي لعمر بن الخطاب، وتلك قصّة مختصرها أن الخليفة عمر بن الخطاب قابل أبو مريم الحنفي قاتل أخيه زيد (في حروب الردة) وكان قد أسلم فدار بينهما حوارٌ بسيط يحمل في طياته العتب، وانتهى أن قال عمر للحنفي “والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم”، فقال له الأعرابي “أفتظلمني حقي يا أمير المؤمنين”، فأجابه عمر “لا”، فقال الأعرابي ” إنّما يأسى على الحب النساء”.
ولعل في إجابة الحنفي لعمر بلاغة وقاعدة إدارية هامة، أن الحب ليس هو المحرك الرئيسي للعلاقة بالمسؤول عن العمل وإنما الإنصاف والاحترام والتقدير، فعندما يجب أن يحظى الموظف بالتقدير، فإن عدم تقدير المدير له أو لعملٍ ناجح قام به موظف لديه لمجرد أنه “لا يحبه، لا يستلطفه، لا يفضله” فهذه نقطة ضعف في المدير وستنعكس على العمل بالسوء بلا شك.
وأما عن حب الموظف للمدير، فلا شك أن الموظف غالباً ما يكون الحلقة الأضعف في هذه العلاقة وبالتالي ليس محلاً لسؤال ما إن كان يجب أن يحب مديره، فهو غالباً ما يحب ويكره بحسب طريقة التعامل معه، ويمكننا القول إن المدير هو مرآة الموظف، إن أحبه بادله الحب وإن كرهه بادله الكره، وكل تلك مشاعر متبدلة ومتغيرة بحسب المواقف والظروف.
3- متى يجب على المدير أن يقبل زيادة راتب الموظف ومتى يرفضها؟
عند هذا السؤال أبدع المدراء خلال النقاش في المساحة بالإجابات، وكانت الكتب والمحاضرات الإدارية التي حضرها كلٌ منهم على مر حياته حاضرة في ذهنه، فذهبت كل الإجابات إلى البروتوكولات التي تشرح لماذا لا يجب زيادة الراتب، لكن رداً واحداً لم يجب عن السؤال الذي يفيد متى تجب الزيادة؟.
أفضل الردود التي سمعتها أن الاحتكام يكون للظروف، وإن كانت إمكانيات الشركة تسمح بالزيادة المطلوبة أم لا، وأن هناك فرقاً بين الزيادات في المؤسسات الحكومية التي غالباً ما تكون ميزانياتها تحتمل الزيادات وبين المؤسسات الخاصة والشركات الناشئة التي ترى في كل زيادة تحدياً جديداً لها تارة وعلى استمراريتها تارة أخرى.
لكن ما يخبرنا به الواقع أن المدير الذكي يربط الزيادة دائماً بالنتائج، فإن كان طالب الزيادة يقدم نتائج جيدة ويلعب دوراً في تطور الشركة سيقر له الزيادة بدون شك، وإن كانت النتائج عادية أو أقل فلن يقر أي زيادة وسيرفضها، وذاك تصرف الذكي أما الأكثر ذكاءً هو من يرسم للموظف طريق الزيادة فيقول له: لو فعلت كذا ستحصل على كذا، وهذه قاعدة تحفيزية بسيطة ممكن أن نستلهمها من القصة الشعبية السورية التي تدور بين الأب وابنه الراغب بالزواج.
فيقول الابن: أبي، أريد أن أتزوج.
يجيب الأب بلغةٍ عامية شائعة:” لما يطلع (يتسلق) الكر على الجوزة”، فما كان من الابن إلّا أن حمل الكر على كتفيه ووضعه أعلى شجرة الجوز، فقام الأب بتزويجه، وفي روايةٍ أخرى قال له على طلب الزواج بعد أن أصبح الكر على الجوزة ” انتظر لما ينزل”.
وهنا يمكننا تشبيه المدراء بالأباء، هناك من يعد ويفي وهناك من ينتظر صعود الكر للشجرة وإن صعد سينتظر نزوله، وهكذا.