أرفض إدراج شركاتي في الأسهم السعودية قبل إصلاح الخصوصية

في وطني الحبيب، المملكة العربية السعودية، نفتخر بجهود جبّارة في سنّ الأنظمة والتشريعات التي تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، ومنها نظام حماية البيانات الشخصية، الذي يُعد من أبرز ملامح التحول الرقمي والاجتماعي الذي نعيشه. أصبح من غير المقبول قانونيًا أن تُستخدم بياناتك الخاصة دون إذنك، وأصبح مفهوم “الخصوصية” جزءًا من الوعي الجمعي الجديد. لكن وسط هذا التقدّم، هناك استثناء قانوني يُفاجئ الكثيرين: إذا كنت مديرًا تنفيذيًا أو رئيسًا لمجلس إدارة شركة مدرجة في السوق المالية، فإن كل ما يتعلق بحياتك المالية يصبح مباحًا للنشر، ومتاحًا للجميع، بل ومادة خصبة للتشهير، دون أن يُعد ذلك خرقًا للقانون.

كل ما تملكه، كل ما تكسبه، كل صفقة تُتمها، كل مكافأة تصلك، تُدرج علنًا في تقارير رسمية، وتُتناقل عبر وسائل الإعلام، وتُفصّل على منصات التواصل الاجتماعي، وكأن نجاحك أصبح تهمة، وكأن ثروتك مدعاة للريبة. بل الأسوأ من ذلك، أن القانون لا يمنع استخدام صورتك أو الحديث عن تفاصيل وضعك المالي في محتوى عام، حتى وإن تم تحوير السياق أو استخدامه للنيل منك شخصيًا. وهذه الفجوة القانونية تُستخدم لتبرير تشويه السمعة والتدخل في الشأن الشخصي، تحت غطاء “الشفافية المالية”.

أنا رجل أعمال أؤمن بالمساءلة والشفافية، وأفهم دور الأنظمة الرقابية في حماية المستثمرين والأسواق. ولكن ما يحدث حاليًا لا يُحقق توازنًا بين الرقابة وحقوق الأفراد، بل يفتح الباب لتسليط الأضواء على تفاصيل شخصية، لا تؤثر على جودة السوق ولا على مصالح المساهمين، لكنها تؤثر بشكل مباشر على حياة الشخص وعائلته ونفسيته وسلامه الداخلي. حين تُصبح ثريًا في هذا السياق، تتحول إلى هدفٍ متحرك. تنهال عليك طلبات التبرع من جهات غير مرخصة، وتُطارَد من أشخاص يستغلون وضعك المالي في التسول المقنّع، بل قد تجد نفسك في مرمى محاولات الاحتيال، لأن ببساطة… الجميع يعرف كم تكسب، وكيف تنفق، ومتى تبيع.

هذا الواقع لا يُشجّع الريادة، بل يخنقها. نحن نعيش في زمن تُشجّع فيه الدولة — مشكورة — على تمكين القطاع الخاص، وتحفيز الاكتتابات، ونقل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة تُثري الاقتصاد. ولكن كيف نتوقع من رواد الأعمال والمبدعين أن يخاطروا، ويُدرجوا شركاتهم، إذا كانت النتيجة أنهم سيُعاملون كمشاهير تحت المراقبة اليومية، بلا حصانة، بلا خصوصية، وبلا تقدير للجهود التي أوصلتهم للنجاح؟

الشفافية ليست مرادفًا للتجريد من الإنسانية. بالإمكان سن قوانين تحفظ حق المساهم في المعرفة، دون أن تُحوّل المدير إلى “ترند” أسبوعي. يمكننا إنشاء نظام إفصاح ذكي، يوازن بين حاجة السوق للمعلومة، وحق الفرد في الخصوصية. ويمكننا أيضًا وضع ضوابط تمنع استخدام الصور الشخصية والبيانات المالية في محتوى تحريضي أو تجاري على منصات التواصل.

لن أضع أي من شركاتي في سوق الأسهم السعودي — رغم الفرص، ورغم الفوائد — حتى يتم إصلاح هذا الخلل. ليس لأنني أُخفي شيئًا، بل لأنني لا أقبل أن يُستخدم نجاحي كسلاح ضدي. لأنني أريد أن أكون قدوة لمن بعدي، بأن النجاح لا يجب أن يُكلفك كرامتك، ولا أن تُعاقب على اجتهادك.

نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة الأنظمة المرتبطة بحوكمة الشركات، وإعادة تعريف مفهوم الشفافية المالية بما يتناسب مع قيمنا السعودية، ومع التحولات العالمية في حماية الخصوصية. ما يحدث الآن يُعزز الانطواء، ويدفع بالكفاءات إلى تفادي السوق، أو إبقاء شركاتهم ضمن دائرة “المحدودين” فقط، خوفًا من هذا الانكشاف المالي والاجتماعي.

وفي ظل اقتصاد عالمي يتطلب مزيدًا من الانفتاح والاستثمار، لا نحتاج فقط إلى بيئة عمل محفزة، بل إلى بيئة تحترم إنسانية من يعمل. لا نريد من المبدعين أن يختبئوا خلف الأبواب المغلقة، بل نريدهم أن يظهروا ويقودوا، بثقة وأمان، دون خوف من التشهير أو الابتزاز المجتمعي.

لذا أقولها بوضوح: لا اكتتاب لشركاتي، ولا إدراج، حتى يتم إصلاح منظومة الخصوصية المالية في السوق. ليس رفضًا للسوق، بل حبًا له. ليس انسحابًا، بل دعوة للتطوير.

✳️ هل توافق أن خصوصية رواد الأعمال يجب أن تُحمى كما تُحمى بيانات الأفراد؟

yes
no

لقد ساعد الذكاء الاصطناعي في كتابة هذا المقال

اختار المشارك أن يبقى مجهولًا.

المعلومات المقدمة حول هذا الموضوع ليست بديلاً عن المشورة المهنية ، ويجب عليك استشارة أحد المتخصصين المؤهلين للحصول على مشورة محددة تتناسب مع وضعك. بينما نسعى جاهدين لضمان دقة المعلومات المقدمة وحداثتها ، فإننا لا نقدم أي ضمانات أو إقرارات من أي نوع ، صريحة أو ضمنية ، حول اكتمال أو دقة أو موثوقية أو ملاءمة أو توفر المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو ما يتعلق بها الرسومات الواردة لأي غرض من الأغراض. أي اعتماد تضعه على هذه المعلومات يكون على مسؤوليتك الخاصة. لا يمكن أن نتحمل المسؤولية عن أي عواقب قد تنجم عن استخدام هذه المعلومات. يُنصح دائمًا بالحصول على إرشادات من محترف مؤهل.