عندما أعلنت مايكروسوفت في عام 2011 عن استحواذها على سكايب مقابل 8.5 مليار دولار، بدا الأمر وكأنه بداية عصر جديد في الاتصالات الرقمية. لكن بعد 14 عامًا، ها هو سكايب ينضم إلى قائمة الشركات التي انتهت تحت إدارة مايكروسوفت. في مايو 2025، ستغلق الشركة التطبيق رسميًا، مما يثير التساؤل: هل مايكروسوفت تقتل الشركات التي تستحوذ عليها عمدًا أم أن استراتيجيتها تفشل في إدارة الابتكارات؟
سكايب: من الريادة إلى النسيان
قبل أن تستحوذ عليه مايكروسوفت، كان سكايب ملك الاتصالات عبر الإنترنت، مع مئات الملايين من المستخدمين حول العالم. كان التطبيق الخيار الأول للمكالمات الصوتية والمرئية، لكن سرعان ما بدأت الأمور في التغير بعد أن أصبح جزءًا من منظومة مايكروسوفت.
نقطة التحول: فشل اندماج سكايب مع ويندوز فون
كانت أولى ضربات مايكروسوفت لسكايب هي ربطه بويندوز فون، وهو نظام تشغيل الهواتف الذكية الذي لم يتمكن أبدًا من منافسة iOS وأندرويد. بحلول عام 2016، انخفضت حصة ويندوز فون في السوق إلى أقل من 1٪، مما دفع مايكروسوفت إلى إعلان إيقاف دعم سكايب على أجهزة ويندوز فون 8.1 وما قبلها.
في الوقت نفسه، قررت الشركة تغيير بنية سكايب من نظام Peer-to-Peer إلى Client-Server، مما أضعف تجربة المستخدم وأدى إلى مشاكل في الأداء، خاصة على الأجهزة القديمة.
لماذا قتلت مايكروسوفت سكايب لصالح Teams؟
في عام 2017، أطلقت مايكروسوفت Microsoft Teams، وهي منصة اتصال متكاملة تستهدف قطاع الأعمال. ورغم أن سكايب كان يملك قاعدة مستخدمين ضخمة، إلا أن الشركة اختارت أن تجعل Teams هو الأولوية، متجاهلة تحديث سكايب أو تطوير ميزاته لمواكبة المنافسة.
هذا القرار لم يكن عشوائيًا؛ فجائحة كورونا رفعت الطلب على تطبيقات الاجتماعات الافتراضية، مثل Zoom وGoogle Meet، ولم يكن سكايب قادرًا على مجاراتها بعد أن أصبح مشروعًا ثانويًا بالنسبة لمايكروسوفت.
الأرقام لا تكذب
•في 2011، كان لدى سكايب 300 مليون مستخدم نشط شهريًا.
•بحلول 2020، كان Microsoft Teams يملك 250 مليون مستخدم نشط شهريًا، بينما تراجع سكايب إلى أرقام غير معلنة.
•ارتفع عدد مستخدمي Zoom خلال الجائحة إلى أكثر من 300 مليون، متجاوزًا سكايب بفارق كبير.
مايكروسوفت والشركات التي قتلتها من قبل
سكايب ليس الضحية الأولى، فقد سبقه العديد من الخدمات الناجحة التي تلاشت بعد أن استحوذت عليها مايكروسوفت، مثل:
-
1- نوكيا: أكبر كارثة استحواذ في تاريخ التكنولوجيا
في 2013، اشترت مايكروسوفت قطاع الهواتف في نوكيا مقابل 7.2 مليار دولار، وكانت خطتها أن تجعل من هواتف نوكيا منصة لويندوز فون. لكن بسبب سوء الإدارة والتأخر في تطوير النظام، فشلت نوكيا تمامًا، واضطرت مايكروسوفت إلى بيع ما تبقى منها بسعر زهيد في 2016.
- 2- Wunderlist: من القمة إلى النسيان
كان Wunderlist من أفضل تطبيقات إدارة المهام، لكن مايكروسوفت أوقفت التطبيق في 2020 واستبدلته بـ Microsoft To Do، الذي لم يحظَ بنفس القبول، ما أدى إلى فقدان ملايين المستخدمين.
- 3- Sunrise Calendar: تطبيق ناجح، ثم لا شيء
اشترت مايكروسوفت تطبيق التقويم Sunrise Calendar في 2015، وبدلًا من تطويره، قامت بدمجه في Outlook، ثم أغلقت التطبيق تمامًا، ما أثار غضب المستخدمين.
- 4- Mixer: الفشل في منافسة Twitch
في محاولة لمنافسة Twitch، استحوذت مايكروسوفت على منصة البث Beam في 2016 وأعادت تسميتها إلى Mixer، لكنها لم تستطع جذب الجمهور، مما اضطرها إلى إغلاقه في 2020.
-
5- Zune: المنافس الذي لم يكن منافسًا
أرادت مايكروسوفت منافسة iPod من خلال جهاز Zune، لكن نقص الابتكار والتسويق السيئ أديا إلى فشله وإيقافه في 2012.
هل تكرر مايكروسوفت الأخطاء نفسها؟
مايكروسوفت لا تزال تستحوذ على شركات جديدة، وأحدثها صفقة شراء Activision Blizzard مقابل 69 مليار دولار. السؤال الآن: هل ستتمكن مايكروسوفت من إنقاذ هذه الشركات، أم أنها مجرد مسألة وقت قبل أن نسمع عن إغلاق إحدى العلامات التجارية الشهيرة التي وقعت في قبضتها؟
وداعًا سكايب، ولن يكون الأخير
إعلان إغلاق سكايب في 2025 ليس مجرد حدث تقني، بل درس في كيفية إدارة الشركات الكبرى لاستحواذاتها. لم يعد السؤال:
“كيف ستطور مايكروسوفت الشركة التي اشترتها؟”
بل أصبح:
“متى ستقتلها؟”
في عالم التكنولوجيا، الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت لا تستحوذ فقط للبناء، بل أحيانًا للقضاء على المنافسة أو تغيير اتجاه السوق بالكامل. ومع هذا النمط المتكرر، لا يمكننا سوى التساؤل: