على مدار اليومين الماضيين، تصدرت دبي الشبكات الاجتماعية نظراً للحالة الجوية التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنها إمارة دبي.
أكثر من مليون تغريدة كتبها المستخدمون عن إمارة دبي على موقع “إكس”، منها ما هو مغرض، ومنها ما هو انتقاد محب، ومنها ما يسلط الضوء على ما يجري في “دانة الدنيا” لتوثيقه، وبعضها يستغرب من حجم الأمطار التاريخية التي هطلت.
فقد شهدت الإمارات هطول أكبر كميات أمطار في تاريخها خلال 24 ساعة، وقدّرها البعض بما يعادل أمطار 1.5 عام جميعها هطلت في يومٍ واحد.
ذاك المطر الغزير كشف عن متانة البنية التحتية لإمارة دبي التي تستحق عن جدارة لقب “درة الشرق الأوسط” في تقدمها النموذجي ورؤيتها المستقبلية.
دبي تحت الضوء والعبرة في الخواتيم
ما يثير الاستغراب هو حجم التهويل الذي رافق ما جرى في الإمارات عموماً، ودبي خصوصاً، وهذا حال الشجرة المثمرة.
لو ألقيت نظرة سريعة على الصحف ووسائل الإعلام بالأمس لشعرت أن ما يجري نهاية العالم، فذهبت صحيفة عالمية (بريطانية) لعنوان “دبي تحت الماء” متسائلة هل يجب إلغاء الرحلة إليها لقضاء العطلة؟ فيما تساءلت صحيفة أخرى “هل السفر آمن إلى دبي”؟ وكتبت قناة أمريكية ناطقة بالعربية (“فوضى” في دبي غداة تساقط أمطار قياسية)، فضلاً عن عشرات الصحف الصفراء الناطقة بالعربية والإنجليزية التي استغلت العاصفة والحالة الجوية بصياغات مسيئة للإمارة الفتية.
في نفس اليوم الذي شهدت فيه الإمارات الحالة المطرية، كان الطقس مماثلاً في بعض دول المنطقة ودول أخرى في آسيا، ورغم اتفاق البشر على أن الروح البشرية هي الأغلى والأهم لم نجد تسليطاً للضوء أو اهتماماً بما جرى في إحدى دول جنوب آسيا والتي توفي أكثر من 63 من أبنائها رحمهم الله بسبب مياه الأمطار.
أي لدينا حالة مناخية مماثلة في بلدانٍ أخرى، نتج عنها نتائج أهم بكثير من بعض السيول وغرق بعض السيارات، لكنها لم تأخذ نفس الصدى من حيث التغطية أو التساؤلات، لكنها دبي التي عوّدتنا دائماً أن تكون تحت الضوء.
وكما يقال، العبرة بالخواتيم، إذ لم يمض 24 ساعة على الحالة الجوية، حتى بدأت آثارها بالاختفاء، فنشر العشرات ممن يعيشون في دبي فيديوهات وثقوا فيها شوارعهم فائضة بالمياه ثم وثقوا نفس المكان بعد ساعات من الإبلاغ وقد اختفت المياه بعد قيام بلدية دبي بسحبها ومعالجة أمرها.
وبدخول سريع لحساب بلدية دبي ستجد المئات من تغريدات الشكر لها على جهودها الحثيثة واستجابتها السريعة لأي بلاغ يقدم لها للتخفيف من آثار الحالة المطرية النادرة، فضلاً عن الجهود غير التقليدية لمنتسبيها وجهات إنفاذ القانون الأخرى.
وعلى الرغم من أن حجم الأمطار الذي هطل لم يكن متوقعاً بهذا الشكل، فقد أديرت العملية باحترافية عالية جنبت الإمارة وسكانها ما هو أسوأ بكل تأكيد، وذلك عبر عشرات القرارات التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :” إعلان العطلة الرسمية في المدارس ومعظم الوظائف، تحويل الرحلات الجوية وإلغاؤها، مروراً بالاستنفار الكامل للدفاع المدني والإسعاف والجهات الحكومية، وإصدار التحذيرات الدورية بالابتعاد عن الأودية ومجاري السيول، وإطلاع الجمهور أولاً بأول عبر الشبكات الاجتماعية والقنوات الرسمية على حالة الشوارع وإرسال التعليمات والنصائح اللازمة لتجنب الضرر”، لتكتب دبي فصلاً جديداً من فصول الإدارة الناجحة للظروف الاستثنائية.
الأمان في دبي حوّل المطر إلى خطر!
لا أعلم ما الذي دفع بعض الصحف الأجنبية للاستعانة بعناوين من قبيل “فوضى” وتساؤلات عن أمان السفر إلى دبي بسبب تساقط الأمطار وبعض الفيضانات التي لم تخرج عن السيطرة، لكن ما أعلمه يقيناً وشاهدته على مر الأشهر القليلة الماضية عشرات الفيديوهات التي ينشرها أشخاص من حملة الجنسيات الأوروبية والأمريكية يبدون استغرابهم عن حجم الأمان والأمانة في دبي.
فلا نشاهد في دبي محلات هواتف ذكية تسرق في وضح النهار، ولا ساعات فاخرة (رغم كثرتها في أيدي الناس) تسرق بواسطة راكبي دراجة نارية، ولم نشاهد سرقة سيارة متوقفة على قارعة الطريق، ولا مشردين مدمنين يتجولون في الطرقات يسرقون المارة أو يزعجونهم، ولم نشاهد محلات ذهب يقتحمها لصوص مسلحون، لم نشاهد ما يدعو لغير الشعور بالأمان.
لكن على النقيض، شاهدنا عشرات الفيديوهات لزوار أجانب يمشون حفاةً في شوارع دبي ويظهرون نظافة شوارعها ومطاراتها، وكذلك شاهدنا أشخاصاً يجرون تجارب اجتماعية لأشخاص يتركون هواتفهم أو يلقون نقودهم عمداً لاختبار أمانة المارة في دبي وكانت النتيجة دائماً تصادق على الأمن والأمانة في المجتمع.
لكن دبي التي قال حاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في إحدى تغريداته السابقة إن “دبي لا تنافس إلا نفسها” هي مدينة تفعل ما يبهر الآخرين بوصفه طبيعياً لديها.
وختاماً، الأمان الكبير في دبي حوّل المطر إلى خطر في نظر الصحف الأجنبية، وهنا يحضرني مثل مصري شائع يقول :”ما لقوا في الورد عيب، قالوا: يا أحمر الخدين”.