يذهب مفهوم الممارسة في موسوعة علم الانسان للمفاهيم والمصطلحات الانثروبوللوجية ان الممارسة كلمة تستخدم في النظرية الماركسية لتشير الى اولوية السلوك الفعلي في اكتشاف المعرفة. ويرتبط مثل هذا السلوك العملي بالاساس المادي للمجتمع، ويمارس على اساس طبقي وليس فرديا. وتمثل الممارسة الحركة نحو اكتشاف المعرفة الموضوعية والابتعاد عن الوعي الزائف القائم على التشوهات الايديولوجية.
كما يعرف معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية الممارسة بأنها التطبيق العملي للافتراضات النظرية، وهي طريقة امتحان صحة او اخطاء تلك الافتراضات. والممارسة هي المقياس السليم لما هو ممكن ولما هو مستحيل، وتقتضي الممارسة لتحقيق اهداف الفرد توفر الحرية والمسؤولية.
وتكتسب نظرية الممارسة الاجتماعية أهميتها في العلوم الاجتماعية والإنسانية بسبب قدرتها على تفسير طبيعة الظواهر الاجتماعية المختلفة، وتحليلها في سياق اجتماعي منظم، فالممارسة الاجتماعية عند “بورديو” ليست مجرد فعل صادر في الزمن الحاضر، ولكنها فعل موجه من الماضي، فالممارسة عند “بورديو” هو حصيلة لخبرات مكتسبة أو موروثة تتضافر لتقييم الواقع المعاش، فالممارسة نشاط إنساني يقوم به فاعل يمتلك من القدرة، والفاعل عند “بورديو” هو شخص محمل بخبرات متراكمة (رأس مال نوعي)، يكتسبه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والتعليم، حيث يولد لديه الاستعدادات ما يمكنه من ممارسة الأفعال المختلفة في إطار بنية محددة، فعن طريقها يمكن تفسير التباينات الاجتماعية والثقافية في آن واحد، ويمكن تفسير ظواهر السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والدين، والفن، والعلم.
إن نظرية الممارسة الاجتماعية تحول الانتباه بعيدًا عن لحظات اتخاذ القرار الفردي، ونحو «القيام» بمختلف الممارسات الاجتماعية والاستهلاك غير الواضح. علاوة على ذلك، يتم إبعاد الأفراد أنفسهم عن مركز الصدارة وبدلاً من ذلك يصبحون «شركات النقل» للممارسات الاجتماعية، حيث يقومون بمختلف الأنشطة والمهام التي تتطلبها الممارسة. عندما يمر الأفراد بالحياة، فإنهم يتعاملون مع مجموعة متنوعة من الممارسات المختلفة، ويتم تجنيدهم، ولديهم «وظائف» داخلها، وأحيانًا ينشقون عن مجموعة متنوعة من الممارسات المختلفة.
الأهم من ذلك، تؤكد نظرية الممارسة أنه من خلال هذه الارتباطات مع الممارسات يأتي الأفراد لفهم العالم من حولهم وتطوير إحساس متماسك إلى حد ما بالذات. ومع ذلك، فإن هذا لا يجعل الأفراد كمخادعين سلبيين مدينين بالفضل لإملاءات الممارسة، ولكن بدلاً من ذلك يتصورهم كفاعلين ماهرين يتفاوضون بنشاط وينفذون مجموعة واسعة من الممارسات في المسار الطبيعي للحياة اليومية. وبالتالي، فإن إيجاد أنماط استهلاك مؤيدة للبيئة لا يعتمد على تثقيف الأفراد أو إقناعهم باتخاذ قرارات مختلفة، بل يعتمد بدلاً من ذلك على تحويل الممارسات لجعلها أكثر استدامة. وكما يلاحظ Warde، فإن «المعنى الرئيسي لنظرية الممارسة هو أن مصادر سلوك التغيير تكمن في تطوير الممارسات نفسها».
لقد حاول بورديو في نظرية الممارسة ان يقدم حلا للفجوة بين النظرة الذاتية للعالم الاجتماعي، والنظرة الموضوعية وانتهى الى ان العلاقة بين الذاتي والموضوعي علاقة جدلية متداخلة ومعقدة، وعالم الاجتماع عليه ان يكشف عن طبيعة هذه العلاقة، وكيف تتولد الممارسة تحت تأثير هذه العلاقة. وحاول بورديو توضيح كيف تتمثل الذات الفاعلة الشروط الموضوعية-البنيوية فأنتج مصطلح الهابيتوس وكيف تؤثر هذه الذات في تلك الشروط فأنتج مصطلح المجال، بحيث تصبح الممارسة محصلة العلاقة الجدلية بين الهابيتوس والمجال او ناتج تفاعل الهابيتوس والمجال.
ومن المفاهيم الاساسية لنظرية بورديو حول الممارسة الاجتماعية نجد:
- الهابيتوسالذي يعبر عن مبدأ مولد للاستراتيجية يمكن الفاعلين من التوافق مع المواقف غير المتوقعة ودائمة التغير، وهو نسق الاستعدادات الدائمة والقابلة للتطور والتحول يعمل بشكل لا إرادي على استدعاء الخبرات السابقة لإنجاز مهام متنوعة.
وقد حاول بورديو ان يطور مفهوم الهابيتوس لاكتشافه ان لكل طبقة هابيتوس خاص بها ناتج عن تماثل ظروف الوجود، الذي يؤدي إلى تآلف الممارسات وانصهار الفردي في الجمعي، وهو ما يجعل الممارسات متماثلة موضوعيا حتى دون قصد، وتعتبر حالة التوافق التام احد المعوقات التي تؤدي الى الممارسة الآلية وتخنق الخلق والإبداع، ممارسة لا تقدمية تعبر عن هيمنة وقوة الطبقة المسيطرة.
- المجال: كان بورديو يستخدم مفهوم البناء وبعد مراجعة نقدية للبنائية وجد انها تتعامل خطأ مع المفهوم بوصفها عناصر البناء بأنها يشملها قانون واحد للتفسير، ووصل الى ان المجالات تختلف فيما بينها كما ان المراكز داخل المجال الواحد تحتاج الى هابيتوس مختلف بين الفاعلين المتصارعين على هذه المراكز.
فالمجال عند بورديو يعتبر اداة تفسيرية تربط البناء الاجتماعي بالممارسة الاجتماعية، وتصبح بذلك المجالات بمثابة البيئة التي فيها عمليات انتاج واستهلاك وتوزيع مختلف اشكال الموارد الرمزية والمادية، ويمكن ان تفهم بنية المجال من خلال كشف علاقات القوة بين الفاعلين ومراكز تمركز المصالح في لحظة تاريخية محددة.
- الممارسة العلمية الانعكاسية: لقد اهتم بورديو بفكرة التقدم العلمي والتغير، مركزا على الحقل العلمي باعتباره يتمتع بالحرية النسبية والاستقلالية عن الحقول الاخرى، ويرفض بورديو مقولة العلم المتحرر من اي ضرورة اجتماعية، كما يرفض مقولة العلم المرتبط بالمنفعة والخاضع للمتطلبات السياسية والاقتصادية.
- كما يستخدم بورديو مصطلحات اخرى في نظريته كالرأسمال الثقافي والرأسمال الاجتماعي والرمزي.